مصطفى مُنِيغْ

البهلولية النابغة الإسرائيلية

وكالة أنباء حضرموت

بالأحضانِ تُسْتَقْبَلُ التَّافِهات ، وبالنفور تَلْقَى الطيبات ، مِنْ نَفْسِ العناصِرِ بالذَّات ، فأيُّ أخلاقٍ هذه تعكس الآيات ، أمِن أجل بقايا فُتات ، مقذوفة في المواسم المعروف لها محطَّات ، لزُبناء مَحْصِيَة أشكال ما يظهرونها من طاعات ، تُسايِر نفس التِّكرار أم تغيَّرَت فيها صِفات ، داخل موطن لا يقبل التَّجديد وكلّ رافع للرأس مُعاندا بالتَّنديدً رحمة الله عليه فقد مات ، بلا تحقيق ولا معاينة لِما قد تتركه على مسرح الجريمة أية بصمات ، كثير عليه أن يُدْفَنَ مجاناً بجوار إحدى المستنقعات ، غير المُجفّفة عن قصد لإخفاء ما في قعرها من دلائل ويلات ، فلتُترك لعصرٍ قادم تُشيَّد فوقها عمارات ، لإسكان المنعَّم عليهم الضائع على ألسنتهم السؤال عن الذي فات ، والحاضر فوقها الشعار الدائم المفسدون للمفسدات ، وسَلِم (عن خطأ) مَن فهم وأَطْبَقَ على نفسه بالسُّكَات ، ليحيا وعياله كالعادة مسلوب الكرامة محتضنا التفاهات نافِراً من المُصلحات النَّافعات ، لغاية أجَلٍ لا أجل له محشوٌّ مع كثافة الظلمات ، إلى أن يجد نفسه إن دقَّ الفجر الحازم بالحق أنه مضاف لتلك التفاهات منبوذ من سائر الطيبات ، يدور حول نفسه ولا أحد من أسياده بالأمس افتداه ولو بأقل قليل تلك المُخلَّفات ، قبل أن يرحلوا هائمين وقد سُدَّت في وجوههم موانئ البحار والمحيطات ، ومُنِعٌوا مِن التوجٌّه لمختلف المطارات ، ليتسكَّعوا فترة والناس تضحك عليهم في سائر الطرقات . الجميل مَن لا يتنكَّر للجميل الذي تلقاه من الأصدقاء والصديقات ، مهما أوصله القدر لما ليس له فيه أدنى اختيار أن يتذكر ولو النزر القليل من تلك اللقاءات ، الضاربة (بما تم خلالها من عهود) لبَّ الضمير والناقشة على الوجدان نِعْمَ الكلمات ، والثابتة على العقل باركان الوفاء مهما جرت من تغيُّرات ، وأحاطت بهالة الاجتهاد الإنساني النبيل كل تفكير يزرع المستقيم لحصاد وفرة الخيرات .

 

 ثلّة من الشباب كنا فيهم يهود مغاربة لا يفرق بينهم إلاّ الدخول في بعض الأزمات ، حتى لا يدركنا شك السلطات ، الأمنية السرية أم الملحقة بها علانية لنشر مُسكنات ، الآخذ بها محاط وفوراً بالخاصة من القوات ، الحاصلة على الضوء الأخضر لتكسير أضلع البشر كما تٌهدَّم المستعصيات ، من الأسوار بأمرٍ من حفنة طغاة ، تولاهم بمثل المناصب الوزير إدريس البصري الماسك العصا ودفتر الشيكات ، يداوي هذا بتلك وهذه حسب عُقَدِ المزاج بأخريات ، غير تارك لنفس الإدارة (لما قادها الجنرال أفقير وكأنها خلية رهيبة يمكن أن تكون أي شيء إلا وزارة الداخلية) أية مهنة حابسة لأنفاس الجميع بما فيهم حتى القرويات . من اليهود كان معنا الشاب الوسيم المبهور بالعلم على جد الاجتهاد قائم يهضم عقله بانتظام كل كتاب وما شكلت ضخامته من صفحات ، لا تنتهي إلا عبر دقائق نتبادل معاً أعمق الحوارات ، تطال عبورنا ذات يوم لدنيا الغرب لانتقاء الأحسن والأفضل للتمتع بحياة آخرها كبدايتها مسرات . ... الضيف الثقيل لم يُنهي خطابه المُطوَّل الهام للتعريف بالمُحتفَى به تلك الأمسية الفريدة من نوعها القائمة في بيت عائلة النابغة البهلولية الكبير بمدينة بروكسيل ، حيث استطرد بصوت مرتفع بما رآها نقطا يُستَدلُّ بها والمستقبل يتطلَّب المزيد من الحذر كي يتسنى لليهود في هذه الربوع أن يكونوا في مستوى تأسيس الوطن الجامع لمن خَبَّرُوا لعنة الشتات وكاد الضياع ينهي حياتهم فوق هذه الأرض الواجد فوقها كل بني آدم المستقر الطبيعي إلا اليهودي الباحث منذ قرون عن فرصة مثل هذه ولا يجب تضييعها بخلق عداوات بيننا وأناس احتضنونا بكل ود وإنسانية ومصطفى منيغ المغربي الأصيل أحدهم ، بالرغم ممَّا كان يعانيه من تدمر بالغ والمغرب محط استغلال طبقة معينة تركها الاستعمار لتقود بعده مثل البلد المُحرَّر بجهد جهاد أبنائه البسطاء الذين شكلوا بعد الاستقلال ، بالتهميش المسلط عليهم ، الدرجة الثانية التي عليها الاستماع والطاعة ولا شيء بينهما إلا العصا لمن عصى ، كان معارضا من أجل إنصاف أبناء الشمال عامة ومدينتي القصر الكبير وتطوان خاصة ، الشيء الذي عرّضه للحرمان والمنع التام من الحصول على جواز السفر ، لكنه ما تهاون ولا ترك اليأس ينهش تطلعه لتنفس الهواء في أجواء أوربا مهما بَعُد توقيت انجاز ذلك ، فخطَّط وكان مُحِقا في تخطيطه مُوفَّقا أكثر ما يكون التوفيق في الحصول على مبتغاه بإرادة لازمته حتى هذه اللحظة ، فبدل أن يتابع دراسته بالمعهد العالي للعلوم الاجتماعية الملحق بعد ذلك بكلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط ، تقدَّم لامتحان الحصول على وظيفة خصت بها وزارة الداخلية عمالة إقليم(محافظة) تطوان ، اجتازه بأعلى درجة في التنقيط ليصبح أصغر موظف عرفه تاريخ تلك الادارة ، فكان أول عمل قام به الحصول على جواز سفر ، أخبرني بذلك في لقاء ضمنا داخل حديقة "رياض العشاق" التطوانية حينما كانت بالفعل حديقة متوفرة على مستلزمات الهدوء ومزروعات الورود وهمسات المبتدئين رحلة العشق الجميل ، وهو في حالة من الفرح ما عهدته فيها على الإطلاق يحدثني عن بداية خطواته صوب الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط . ... 

 

مرَّ على الحدث ما يقارب السنة حينما اتصلت بي شقيقتي باكية ، سألتها ما الخَطب قالت هو صديقك مَن جرَّدني من الوضعية التي كنت عليها أمام موظفي تلك الادارة ، التي كلما دخلتها سعى الجميع لخدمتي ، وأنا وسطهم معجبة بجمالي لدرجة غرور الكبرياء ، اتصلت برئيسه المباشر السيد مصطفى العمراني ورئيس هذا الأخير محمد بناني المكلف بقسم الشؤون العامة ، ولا أحد استطاع إقناعه بحقي في تجديد جواز السفر بعد انتهاء صلاحيته ، لا أدري عن أي فصل من القانون المعمول به في هذا الصدد ، اعتمد عليه وطردني من مكتبه بشكل مروع . اصطحبتها ليستقبلنا مصطفى منيغ داخل مكتبه مقهقهاً لنتعانق كالعادة ويدعونا للجلوس طالبا من أحد عناصر القوات المساعدة أكواب القهوة لإظهار أنبل حفاوة بنا ، قلتُ له الماثلة أمامك أختي مِن والدتي ، لهذا السبب لا تحمل نفس اللقب ، طلب منها الجواز المنتهية صلاحيته وما هي إلاَّ دقائق عن غيابه حتى دخل علينا ليمدني بجواز جديد طالباً من أختي التوقيع على الاستلام ، التي لم تتمالك عن تقبيله قبلة بقيت مرسومة في ذهنها وهي في تل أبيب حتى اليوم منتظرة اللقاء به لتشكره على طريقتها من جديد ، فلولاه لما وصلت إلى ما وصلت إليه 

مقالات الكاتب