فاروق يوسف

الثنائي الشيعي والمرجعيات الحزينة

عام 2019 أبطأ حزب الله من ردود أفعاله في مواجهة المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشارع احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية. لم يذكروه بالاسم غير أن شعاراتهم كلها كانت تعبر عن رفضهم لوجوده المسلح ولهيمنته على الدولة. يومها تكلف نبيه بري بالأمر من خلال مسلحي حركة أمل، وهي من آثار الحرب الأهلية التي لم تُمح بعد.

 

بري يمسك بمجلس النواب اللبناني باعتباره شيعيا. ذلك ما ينص عليه النظام الطائفي. ولكن الرجل صار أشبه بالختم الأثري. ألم ينجب شيعة لبنان رجلا يملك مؤهلات بري وينافسه في عبقريته أم أن مكانة بري السياسية ستظل محفوظة حتى الموت؟ نحن إذاً أمام قضية اعتبارية. فالرجل الذي ارتكب كالكثيرين جرائم في الحرب الأهلية ينبغي ألاّ يذهب إلى التقاعد بل إلى القبر.

 

اليوم تبدو الأوضاع مختلفة فهي لا تسمح باسترخاء طرف على حساب الطرف الآخر. لذلك صار مصطلح “الثنائي الشيعي” قيد الاستعمال اليومي بعد ما كان حكرا على لغة مجلس النواب. في الشارع يحضر الثنائي الشيعي ليؤكد أن سلاحه سيبقى وأن أي محاولة لنزعه ينبغي أن تتم عن طريق السلاح. “نحن أتينا بالسلاح ولن نذهب إلا بالسلاح” تلك هي الجملة التي يجب أن يفهمها اللبنانيون المطالبون بنزع السلاح غير القانوني.

 

اليوم صار على اللبنانيين أن يواجهوا وحشا اسمه “الثنائي الشيعي”. فزعيم المشرعين قرر ومنذ بدء الاحتجاجات (تشرين/ أكتوبر عام 2019) أن يتخلى عن قناعه الرسمي بعد أن اكتشف أن وجوده مرهون بهيمنة حزب الله على السلطة السياسية. ما دام حزب الله مهيمنا على الحياة السياسية فهو باق في منصبه ممثلا للشيعة في حصتهم من النظام وفي المقابل فإن حزب الله لن يتخلى عن بري ما دام الرجل قد عبر وبكل كفاءة عن أنه لا يزال مقيما في زمن الحرب الأهلية ولم يتجاوزه وليست لديه رغبة في تجاوزه. فهو عبارة عن كائن متحجر.

 

ما يزيح الثقة بشرعية النظام السياسي اللبناني أن رئيس مجلس النواب هو داعية حرب أهلية. ذلك يخدم مشروع حزب الله في الإعلان عن تبعية لبنان لإيران وإقرار عبادة الولي الفقيه باعتبارها حلا أخيرا للتوافق بين الطوائف التي صار عليها أن تتحول إلى أقليات يتم التعامل معها في سياق مفهوم التسامح الذي لا يعترف بقانون المواطنة.

 

لم يعد لبنان دولة للمواطنة.

 

فالثنائي الشيعي كما هو واضح من التسمية قد ترك المواطنة وراء ظهره، بل ووضعها في قفص الاستفهام. فالمواطنة من وجهة نظر الثنائي هي دعوة مناهضة للمقاومة. أيكون لبنان موجودا من غير مقاومة؟ لقد تم اختصار لبنان على هيئة بندقية يلوح بها “أزعر” في وجوه اللبنانيين.

 

وبعد أن اختطف الثنائي شيعة لبنان، ها هو يسعى إلى وضع لبنان كله تحت وصايته التي هي وصاية إيرانية. من غير ذلك فإن لغة التهديد هي اللغة الوحيدة الممكنة. وبما أن أغلبية اللبنانيين قد عبروا بشكل صريح من خلال الاحتجاجات عن رفضهم القاطع للنظام الطائفي وهو مصدر كل الكوارث بضمنها سلاح حزب الله فإن نصرالله ومن خلفه بري لم يجدا مخرجا مما هما فيه من حرج سوى تذكير الآخرين (المقصود هنا الشعب اللبناني) بالمئة ألف مقاتل الذين هم على أهبة الاستعداد للدفاع عن النفوذ الإيراني.

 

تلك إشارة واضحة إلى أن الثنائي الشيعي لا يملك في مواجهة مشكلات لبنان الداخلية والخارجية سوى التهديد بإمكانية نشوب حرب أهلية إذا ما تم التركيز على سلاح حزب الله باعتباره عائقا أمام قيام حكومة طبيعية تقوم بتصريف شؤون اللبنانيين بما يحترم مواطنتهم. وتلك رؤية محلية صارت مقبولة عالميا. فالثنائي الشيعي هو عنوان الدولة الفاشلة. هو العنوان الصارخ لمذهبية مضافة أثقلت النظام الطائفي بمزيد من أسباب الاختلاف، بل والتناحر.

 

كان اللبنانيون قد صُدموا يوم صرح نصرالله بأنه مجرد جندي إيراني وأن إيران هي التي تمول حزبه. ذلك اعتراف علني بأن كل شيء يجري في لبنان إنما يقع في خدمة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. وما حدث للبنان من فجائع لم يكن مفاجئا. هناك دولة فاشلة ليس في إمكانها أن تختار رئيسا لحكومتها. دولة عاجزة يقود مؤسستها التشريعية رجل يتظاهر أفراد عصابته ضد العدالة.

 

ما من شيء يقدمه الثنائي الشيعي سوى مرجعياته الحزينة التي تنادي بعظمة الفقر والجهل والمرض.

 

 

مقالات الكاتب