مسلسل "كسر عضم".. هل أعاد الألق للدراما السورية؟

دمشق

بعد أن عانت الدراما السورية خلال الأعوام الماضية من تراجع، يبدو أن مسلسل ”كسر عضم“، للمخرجة رشا شربتجي، الذي يُعرض في موسم رمضان الحالي، أمسك بزمام الأمور لإعادة شيء من الألق إلى ”الدراما السورية“.

ورغم كثرة الأعمال الرمضانية، إلا أن مسلسل ”كسر عضم“ أثبت حضوره عبر ”تجسيد مرارة الواقع بين طبقات المجتمع المختلفة“، وعكس صورة الأمراض الاجتماعية بأدق تفاصيلها.

وتدور أحداث العمل حول ”صراع البقاء في زمن الحرب“ بين ثلاث طبقات اجتماعية؛ أصحاب النفوذ، والطبقة المتوسطة، وضحايا القاع، بحيث يندرج المسلسل تحت خط الأعمال الاجتماعية المجسدة لأحداث وقضايا تتنوع ما بين العنف والظلم والحب والتضحيات والمصالح.

ويعكس المسلسل المعنى الحقيقي لـ“كسر العظم“، الذي يثقل كاهل البلاد بجميع طبقاتها، ليكون الناجي الوحيد ”أمراء الحرب“.

أسلوب تشويقي

واتبعت المخرجة شربتجي، أسلوبا تشويقيا، مع متابعيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لزيادة حماسهم والتنبؤ بتوقعاتهم حول مفاجآت المسلسل.

وشاركت شربتجي صورة من أحد المشاهد عبر موقع ”إنستغرام“ يظهر فيها تفجير ضخم ونار قوية؛ لتشرح عنها قائلة باللهجة العامية: ”يمكن نار ويمكن نور ويمكن كلاهما معا“.

ونقل المسلسل صورة جريئة لخفايا الجامعات وما يشوبها من تلاعب، ليظهر ابتزاز المشرفين للطالبات الجامعيات، مقابل تأمين غرف لإقامتهن الجامعية.

ويقدم المسلسل تصورا عن نمط الأستاذ الجامعي الفاسد، الذي يحاول تغطية فساده المهني من خلال طرح أسئلة امتحانية صعبة لتخفيض نسبة النجاح، ويتضح لاحقا أنه يتاجر بالمواد بمقابل مادي.

واقع مرير

وجاءت الحوارات في المسلسل مقتبسة عن الواقع المرير ومآسي الحرب، كمشهد الشاب الذي يسعى إلى الخلاص ويبحث عن وسيلة مضمونة للسفر ويستعين ”بمهرب“ يقول له إن ”موجة جوازات السفر المزورة انتهت، وعلى الجميع أن يحدث أنظمته ويواكب الحبكات الجديدة، فالمال لم يعد ينفع وحده، وإنما عليك أن تتبرع بإحدى عينيك مثلا“.

وقدم الحوار إيحاء بغياب الضمير في وقت سادت فيه المنفعة وكل خدمة لها مقابل ينتهك القيم الإنسانية، فالمال لم يعد يكفي لشراء كل شيء، بل على المحتاج دفع قطعة من أعضائه.

مشاهد جدلية

وأحدث مشهد جهاز كشف الحمل جدلا واسعا على صفحات التواصل الاجتماعي، وقالت شربتجي إنها تابعت التعليقات بصمت تام حتى لا تحرق الأحداث المقبلة، ليتضح لاحقا أن الجهاز لاختبار فيروس الإيدز، في تغير لافت لمسار الأحداث.

وتتالت المشاهد الجدلية في مسلسل ”كسر عضم“ ليتصدر مشهد التحرش مواقع التواصل الاجتماعي في الحلقة السادسة، وتتعالى انتقادات لاذعة ويعبر متابعون عن استيائهم من ردة فعل الضابط وشقيقة الضحية الكبرى.

في حين ردت شربتجي، في مواقع التواصل الاجتماعي، قائلة: ”تعرض فتاة في الطريق للتحرش لا يبرر بتاتا فعلة المتحرشين، فالمتحرش شخص أزعر وطائش ومريض، ولا يهمه لباس الفتاة سواء أكان مثيرا أم محتشما، ولطالما سمعنا عن محجبات تعرضن للتحرش أيضا“.

وأضافت: ”إلقاء اللوم على الفتاة من قبل شقيقتها ورائد الشرطة هو بمثابة تشريح للواقع الذي يعيشه مجتمعنا الذكوري، الذي يضع اللوم على الفتاة ويتغاضى عن جريمة المتحرش“.

وأوضحت شربتجي: ”ربما فكرة المشهد لم تصل بالشكل المطلوب للمشاهد، وهذا ما نتحمل نتيجته نحن“.

مواهب شابة

وتألقت الشابة ولاء عزام، وأثبتت موهبتها في عالم التمثيل، لتنجح في تجسيد أقصى مراحل الظلم بتفاصيل تلعب على الوتر العاطفي للمشاهد، فهي ضحية لسمعة والدتها.

ودعم ذلك مشهد طردها من المنزل وتجمع نساء الحارة حولها، فلم يكن أمامها سوى التهديد بأن تسكب الوقود على جسدها وتصرخ بأعلى صوتها: ”تعالوا احرقوني لتغسلوا العار“.

شخصيات معقدة

وقدم الفنان فايز قزق، شخصية ”الحكم“ المعقدة والمتناقضة والصعبة، ونجح في طمس المصلحة العامة من خلال استخدام كرسيه وفق ما يتناسب مع مصلحته الشخصية حفاظا على مصالحه الشخصية ومكاسبه المرتكزة على دماء الآخرين.

وتؤدي الفنانة كاريس بشار دورا بطوليا مجسدة شخصية ”عبلة“ الفتاة التي تعرضت لظلم متكرر من ”الحكم“، ولكنها ترفض الاستسلام وتختار المواجهة وتحقيق العدالة بشكل مباشر وشخصي.

من جانبه، جسد الفنان سامر إسماعيل، شخصية ”ريان“ الابن البكر للحكم الذي يتصدى لشرور والده، فهو الشجاع المقدام المنحاز للعدالة على الرغم من نشأته في كنف والده الفاسد.

وترك المسلسل مجموعة تساؤلات، وهو ما زال في بداياته وحاز ضجة إعلامية لافتة، وأثبت احتواءه على كم لافت من التشويق وبناء الشخصيات المتماسك.