نقاد وباحثون يسعون لإنقاذ تاريخ السينما المصرية من التلف والتعديلات

وكالة أنباء حضرموت

انتفض العديد من المثقفين والنقاد والمهتمين بتاريخ السينما المصرية أخيرا مع الإعلان عن تحلل فيلم “أهل القمة” نتيجة سوء الحفظ والتخزين، ما أثار تساؤلات حول موقف وزارة الثقافة في مصر، والتي بدت كأنها تصم آذانها عن مطالب إنشاء أرشيف رقمي للأفلام منذ سنوات طويلة دون أن يتخذ المسؤولون فيها خطوات عملية تضمن الحفاظ على ما تبقى من التراث السينمائي في البلاد.

كشف الباحث المصري المهتم بأرشفة الأفلام السينمائية سامح فتحي تلف النسخة الأصلية لفيلم “أهل القمة”، وأن المسؤولين عن مخازن المركز القومي للسينما التابع لوزارة الثقافة أخبروه أن نسخة الفيلم أصبحت تالفة تماما، كما تعرضت أفلام أخرى لتلف بنسبة وصلت إلى نحو 70 في المئة من محتواها، في حين لا تزال هناك أفلام تحتفظ بجودتها الفنية كاملة.

واللافت في الأمر أن فيلم “أهل القمة” بطولة نور الشريف وسعاد حسني وقصة نجيب محفوظ وإخراج علي بدرخان، تم إنتاجه مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وهو ما يثير المخاوف بشأن أفلام مصرية جرى إنتاجها قبل عقود طويلة.

 

ويخشى الكثير من النقاد من تعرض المئات من النسخ الأصلية للأفلام المصرية لدى المركز القومي للسينما لمصير غامض، إذا لم تتم أرشفتها رقميا والحفاظ على جودتها.

وتتكرر التحذيرات من التلف ومطالب إنقاذ أرشيف السينما المصرية من جانب نقاد ومخرجين وفنانين من وقت لآخر، غير أن النداءات تصطدم بمبررات حكومية واهية، وهي عدم وجود ميزانيات كافية لعملية الأرشفة الرقمية، لأن الأفلام بحاجة أولا لعملية إعادة ترميم بمبالغ ضخمة كان من الصعب توفيرها من ميزانية الوزارة في حينه.

وقال الناقد الفني والمهتم بالتراث السينمائي فتحي لـ”العرب” إن تاريخ السينما المصرية يضم ما يقرب من 3500 فيلم بينها ألف فيلم قامت شركة “إيه.آر.تي” السعودية بشرائها منذ نحو عقدين.

وعدد مماثل لهذا الرقم من الأفلام اشترتها شركة “روتانا” السعودية، وتبقى 1500 فيلم، بينها 350 لدى الشركة القابضة للسينما والباقي يتبع شركات مصرية خاصة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن غالبية الأفلام التي اشترتها شركات إنتاج عربية (معظمها سعودية) توجد منها نسخ أصلية محفوظة في المركز القومي للسينما، وفيلم “أهل القمة” من بين الأفلام التي حصلت شركة “إيه.آر.تي” على نسخة منها، وبقيت نسخة نيغاتيف أصلية، وقام شخصيا بالبحث عن الفيلم بالمركز القومي للسينما واكتشف أنه ليس محفوظا بالطريقة المخصصة لذلك، والنسخة موجودة في أحد مخازن المركز لكنها تالفة، ما يجعل هناك فرصة لتحلل أفلام أخرى.

 

وأشار إلى أن بحثه المستمر في تاريخ السينما المصرية قاده إلى أن بعض الأفلام جرى حذف مشاهد منها في النسخ الأصلية، وهو ما تعرض له فيلم “ليك (لك) يوم يا ظالم” من إنتاج العام 1952، وهو من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية، والوضع كذلك بالنسبة لفيلم “العزيمة” من إنتاج العام 1939، ولا أحد يعلم من قام بحذف المشاهد، وما هو الغرض من ذلك؟

وحاولت وزارة الثقافة في مصر تخفيف ضغوط المثقفين عليها عبر إنشاء أرشيف حديث للسينما المصرية بالاتجاه نحو ترميم بعض الأفلام القديمة من خلال المهرجانات الفنية التي تمولها، وحدث ذلك في الدورة الماضية لمهرجان القاهرة السينمائي الذي قام بترميم أفلام “أغنية على الممر” و”الاختيار” و”يوميات نائب في الريف”، ومن المقرر أن ترمم الدورة المقبلة فيلمي “ثرثرة فوق النيل” و”ميرامار”.

وتعرضت هذه الخطة لانتقادات من باحثين في التراث السينمائي اعتبروا اتجاه وزارة الثقافة لدعم ترميم أفلام في السبعينات وتجاهل أفلام أخرى مهمة تسبقها بعقدين وربما ثلاثة عقود يشير إلى عدم امتلاكها خطة واضحة بشأن الأفلام التي بحاجة للترميم مثل فيلم “شباب امرأة” وفيلم “درب المهابيل”، وهما من الأفلام التي جرى تسليط الضوء عليها بسبب سوء نسخها الحالية، واحتمال الإعلان عن تلفها قريبا.

وأوضح فتحي لـ”العرب” أن ترميم الأفلام القديمة يجري بوتيرة أسرع من خلال شركة “روتانا” و”إيه.آر.تي”، لكن الأزمة في أن صناع الأفلام يشكون من عمليات الترميم وبعض مدراء التصوير يرون أن الإضاءة المستخدمة في عملية الترميم تختلف عن النسخة الأصلية، وهو ما شكا منه المخرج سعيد الشيمي بعد ترميم فيلمه “كتيبة الإعدام”، ما يعني أن هناك حاجة إلى جهود من جانب الحكومة تضمن عدم وجود تدخل في الأفلام التي تشكل ذاكرة الفن المصري.

 

وتم الحديث مرات عديدة عن إنشاء مشروع “سينماتيك” لحفظ الأفلام السينمائية كجزء من التراث القومي للسينما المصرية، ويتضمن أرشفة الأفلام والوثائق المتعلقة بها، وإتاحتها للعرض لمن يريد من الهواة والباحثين، وجاءت أول محاولة لإنشائه في الخمسينات من القرن الماضي، لكن التجربة لم تكتمل.

وكانت هناك محاولة أخرى في نهاية الستينات من القرن الماضي عندما أرسلت وزارة الثقافة المصرية وفدا إلى ألمانيا الشرقية لأنها تمتلك أهم أرشيفات السينما في العالم، وأعد تقرير لإقامة أرشيف مماثل فى مصر، لكنه وُضع في الأدراج، وفي مرحلة لاحقة أعلن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني عن تأسيس أرشيف للسينما المصرية بالتنسيق مع فرنسا، لم ينفذ حتى الآن.

ودشن الناقد الفني ورئيس مهرجان الإسماعيلية السينمائي للأفلام التسجيلية عصام زكريا حملة إعلامية مؤخرا عبر سلسلة مقالات كتبتها بموقع “باب مصر” (ثقافي خاص) وتجاوب معه العديد من المثقفين ووجه نداء إلى منظمة “اليونسكو” لإنقاذ تراث السينما المصرية متسائلا “هل يعقل أن مصر حتى الآن لا يوجد بها معمل محترم لترميم النيجاتيف، وأن كل ما هناك ماكينة أو اثنتان لغسل النسخ البوزيتيف، وماذا يفعل الغسل لنسخ ممزقة متحللة؟”.

النقاد يخشون من تعرض النسخ الأصلية للأفلام المصرية لدى المركز القومي للسينما لمصير غامض، إذا لم تتم أرشفتها

وأكد زكريا في تصريح لـ”العرب” أن الأفلام القديمة لها عمر افتراضي، ما دفع دولا كثيرة في العالم إلى التحول إلى الأرشيف الرقمي مع التطورات الحديثة، وهو أمر كان من المفترض أن يحدث في مصر السنوات الماضية، لكن لأسباب متباينة وغير مفهومة أحيانا تعطلت الخطوة، بما تسبب في مشكلات عدة تعاني منها النسخ القديمة.

وذكر أن السينما المصرية بحاجة إلى كيان يحمل اسم “أرشيف السينما المصرية” له قانون وميزانية وسلطات قائمة حتى يتوقف الحديث الدائر عن تلف الأفلام، وليس عبر الاعتماد على المهرجانات أو المؤسسات الأهلية للقيام بتلك الأدوار، وأن وجود هيئة رسمية يضمن الحفاظ على الأرشيف المصري من الأفلام بما فيها المباعة إلى شركات خاصة في الداخل والخارج وتمتلك الحقوق التجارية لها، لأن النسخ الأصلية ذاتها تراث قومي يصعب التخلي عنه، وهي ملك الدولة وليس لأفراد.

وأشار إلى أن وزارة الثقافة المصرية تعاني مشكلات تجعلها تتردد في اتخاذ الخطوة، فهي تحتاج إلى ميزانيات ضخمة لا تتوفر لها حاليا، إلى جانب عدم وجود متخصصين في هذا المجال، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة في مصر، كما أن أجهزة الترميم ذاتها باهظة الثمن، علاوة على عدم توافر إرادة حقيقية.

ويتيح وجود أرشيف للباحثين التنقيب عن النسخ الأصلية للعديد من الأفلام المصرية المفقودة، وهؤلاء مهمتهم السفر إلى دول عربية وأجنبية للبحث عنها، إذا تطلب الأمر، وقبل بيع الأفلام لشركات خاصة، ردد البعض أن هناك نسخا أصلية من الأفلام في العراق والأردن وسوريا، وقد تكون النسخ موجودة في الداخل ولم يتم البحث عنها.