رغم إسهاماتها الوطنية.. المرأة الصومالية تعاني التهميش والإقصاء

وكالة أنباء حضرموت

رغم دورهن البارز في جميع مناحي الحياة، لا سيما أوقات الأزمات والكوارث، فإن المرأة الصومالية تعاني التهميش والإقصاء الممنهج.

ويزداد شعور الأوساط النسوية الصومالية، ترسخاً يوماً بعد يوم، بأنهن ما زلن يعانين الكثير من الإجحاف داخل المجتمع، تمتد آثاره أحيانا إلى خارجه.

ويعاني الصومال صراعا ونزاعات مسلحة بين الطوائف والقبائل المختلفة منذ عقود، كما تنتشر هجمات وأعمال عنف تقوم بها حركة مسلحة متمردة تسمى "الشباب".

يعود تأسيس حركة الشباب الصومالية إلى عام 2004، لكن أول ظهور علني لاسم "حركة الشباب المجاهدين" كان في عام 2006، وبدأ نشاطها الكثيف ضد الحكومة.

وتسهم تلك الاضطرابات السياسية والأمنية بقوة في تراجع دور المرأة بشكل لافت في البلد الإفريقي الفقير، الذي لا يزال يعاني مخاطر المجاعة والجفاف.

بدايات تاريخية

تكشف أسطورة أراويلو من الفولكلور الصومالي منافسة المرأة الصومالية للرجل، من خلال توليها العرش ودورها في محاربة الطغاة ومواجهة الاحتلال الأجنبي، لتكون "حاوا تاكو" مثالاً حياً تم تخليده في تمثالها بالعاصمة الصومالية مقديشيو.

ولم يقتصر دور المرأة التاريخي في العصور القديمة والفترة الاستعمارية، بل لعبت أدواراً بارزة في العصر الحديث، فأصبحت تقود الطائرات الحربية وتتقلد مناصب وزارية، وتترشح للانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية، وتنجح في حجز مقاعد لها في مجالس الشيوخ الممثلة لأعلى السلطات في الصومال.

لكن هذه الإنجازات التاريخية للمرأة الصومالية، لم تشفع لها لتأخذ مكانتها التي تستحقها، حيث شهدت البلاد انتكاسة حقيقية، في الدور المسموح للمرأة القيام به، على مستوى الخدمة المجتمعية والمناصب العامة.

ويعزو العديد من الخبراء نكوص المرأة الصومالية عن الدور المنوط بها في المجتمع إلى الحالة القبلية، الخارجة عن سلطة الدولة منذ عام 1991، عندما شهدت البلاد صراعات دامية.

وباتت ظروف انعدام الأمن والسعي نحو الهيمنة القبلية غير مهيأة لبروز دور المرأة، بعدما غدت إمّا ضحية للصراع بين رجال القبائل، أو هدفاً سهلاً للعدو يجب تأمينه، عبر الحد من قدرتها على الحركة، والعمل والمشاركة في مجالات العمل العام.

فرصة في الخارج

جاءت فرصة بروز دور المرأة الصومالية في الهجرة خارج البلاد، لإثبات قدرتها على التفوق، وشغل مراكز متقدمة في المجتمعات التي هاجرت إليها على المستويات الاقتصادية والسياسية والأكاديمية.

ووفق آراء الخبراء، يكمن سبب نجاح المرأة الصومالية بالخارج في قدرتها السريعة على التكيف مع أي بيئة تجد نفسها فيها، واستيعابها السريع للعوائق الحياتية اليومية والاندماج معها، على عكس الرجل الصومالي الذي نادراً ما يتمتع بالصبر على تلك العوائق.

ونشأت العديد من النساء الصوماليات في بيوت كانت الأم هي المعيل الرئيسي، ما عزز ثقة الفتيات الصوماليات في قدرتهنّ البدنية والذهنية للعمل والتفوق والنجاح في أي مكان وتحت أي ظرف.

ويرى نشطاء حقوق المرأة في الصومال، أن هناك عدداً من النقاط المؤدية إلى نجاح المرأة الصومالية في الخارج، تكمن في القوانين المشجعة للمرأة على العمل، من حيث إجازات الأمومة ورعاية الأطفال، وإتاحة الفرص المتكافئة بين الجنسين، والتشريعات الحامية للمرأة في بيئة العمل.

يأتي ذلك إضافة إلى الاختلاف الجذري بين التعامل الإعلامي الغربي مع المرأة الناجحة، على عكسه في الصومال، من دون أي تغيير حقيقي يحدث في طبيعة المرأة الصومالية المضحية في العمل داخل الوطن، عما هي عليه في الخارج، فهناك قصص نجاح أكبر تحدث في الداخل لكنها لا تصل إلى الإعلام، وبالتالي تبقى مجهولة بالنسبة إلى بقية المجتمع.

التعليم والأسرة

لم يكن للمرأة الصومالية حظ يذكر في التعليم قبل نصف قرن، سوى ما كانت تتلقاه في الكتاتيب القرآنية، وهو عكس ما كان يتم مع الرجال في مجتمعها، وكانت بداية التعليم الحقيقية للمرأة الصومالية في عهد الثورة، وبالذات في برنامج محو الأمية وتعليم كتابة اللغة الصومالية بالحروف اللاتينية والالتحاق بالمدارس الحكومية.

ولم تكد تمضي سنوات قليلة بعد انهيار الحكومة المركزية وفي ظل غياب التعليم الحكومي، حتى وجهت العائلة الصومالية أبناءها إلى المدارس الأهلية دون تمييز بين الجنسين، فالتحقت الإناث بالتعليم النظامي بكثافة تفوق في بعض المناطق نسبة التحاق الذكور.

من المجالات التي نجحت فيها المرأة الصومالية مجال الأسرة؛ من ذلك سرعة تكوين الأسرة بالزواج المبكر لمحاربة العنوسة ومشاكلها الاجتماعية والنفسية وخصوبة الإنجاب والقيام بمهام التربية الأسرية، رغم ما تواجهها من عقبات اقتصادية وأمنية.

ولم تقف المرأة الصومالية مكتوفة اليدين أمام نهضة البلد الاقتصادية، بل ساهمت بشكل فعال في إنعاش اقتصاد البلاد من ناحية العمل التجاري وإعالة الأسرة وغيرها.

وقد أشار باحثون غربيون إلى أن المرأة الصومالية تتمتع بقدر عالٍ من الاستقلالية في الكسب والملكية، مقارنة بنساء الدول العربية والإسلامية في المنطقة.

وبحسب دراسات غير رسمية، أفرزت السنوات العجاف واقعاً مؤلماً في الاقتصاد، فأفلس الرجل الصومالي ووجدت المرأة نفسها العائل الأساسي لكثير من الأسر.

برزت المرأة الصومالية بوجه خاص في قطاع العمالة المنزلية داخل البلاد وخارجها، فساهمت في تعافي اقتصاد البلاد ومحاربة البطالة.

لعبت المرأة الصومالية دوراً حيوياً ومهماً ويعد من نقاط القوة لديها، في تحقيق السلم إبان الحروب الأهلية؛ وذلك لما تتمتع به من حرمة واحترام لدى الأطراف المتنازعة وبين أفراد المقاتلين، لأنها لا تقاتل ولا تقتل فتستخدم قوتها الناعمة لإخماد الفتنة في كثير من الأحيان.

النظرة المجتمعية

تعود نظرة المجتمع الصومالي للمرأة إلى الطبيعة الديمغرافية التي يغلب عليها المحافظة بسبب القيم الدينية والقبلية، ما يساهم في ممارسة ضغوط على المرأة تؤدي إلى إضعاف دورها في المجتمع وتراجع خيارات التمكين.

وبناء على النظرة المجتمعية المحافظة، فإن مكان المرأة المفضل هو المنزل، غير أن عصر عمل المرأة يلقي بظلاله عليها ويضيف على عملها الأساسي في البيت من رعاية الأبناء وخدمة الزوج أعباء أخرى، حيث خرجت المرأة للتعليم وبحثت عن الوظيفة ومكثت في المكتب وخرجت للسوق للتجارة، فتسبب ذلك كله في حدوث نزاع بين الأزواج بسب غياب المرأة عن المنزل.

ويظل وضع المرأة الصومالية أمنياً يرثى له في ظل الانفلات الأمني في البلاد، الذي أثر سلباً عليها، حيث تسببت النزاعات والحروب في تخلف مئات الأرامل الثكالى واليتامى والأيامى، بل تطور التأثير إلى زيادة الطلاق.

ولكن يظل الوضع المجمل في المجتمع الصومالي يصب في خانة انحدار مكانة المرأة الصومالية في مجتمعها، رغم كل ما عانته من أزمات وتحمل مسؤوليات جسام، في ظل غياب شبه تام للأمن والاستقرار.

إصلاحات ضرورية

قال الباحث والصحفي الصومالي نور جيدي، إن النساء الصوماليات يتعرضن للعديد من الضغوط والتحديات يأتي أبرزها العنف والتهميش.

وأوضح جيدي في تصريح لـ"جسور بوست"، أنه رغم ما تتبناه الحكومة الصومالية من إصلاحات ملموسة من أجل مواجهة العنف المتفشي، فإن العديد من النساء يواجهن أشكال الاعتداءات كافة.

وأضاف: "لا بد من استراتيجية وطنية متكاملة لتقليص معدلات الاعتداءات وإمداد الناجيات بالمساعدات العاجلة التي توجد حاجة ماسة إليها، وتطوير نهج طويل الأمد لإنهاء هذه الانتهاكات".

ودعا جيدي إلى ضرورة تحسين الوقاية وزيادة إمكانية الحصول على خدمات الطوارئ الصحية، وضمان العدالة، والإصلاحات في القانون والسياسات، وتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في الصومال.