وكالة أنباء حضرموت

تقرير: "أراضي عدن".. بين عبث المنطقة الحرة وازدواجية صرف المخططات

هشام الحاج - بسام البان

منذ نشأة الحياة على الأرض كان الإنسان ومازال دائم الحلم بحياة كريمة على هذه الأرض يحقق فيها كل ما يحلم به من خير وحق وجمال وعدالة تجتمع في المكان، ليجعل من هذا المكان موطن إقامته الأصلي، هذه الإقامة التي تتجسد بعلاقته الوجدانية بالأرض التي يعيش ويمارس عليها أنشطته وفيها تتجذر هويته وتستقر حياته، ويحس بامتلاكه للأرض.

وقد ظهرت فكرة التملك للأرض بطرق عدة كالاحتكار والسطو والشراء، وقد حدثت كثير من الحروب بسبب النزاع على الأرض اكان على المستوى الدولي أو المحلي، ولازالت مصدر للخلافات إلى يومنا هذا.

# بداية بروز مشكلة الأراضي :

ولقد برزت مشكلة الاراضي بوضوح بعد حرب 1994م وعلى وجهة الخصوص في الجنوب التي خلفت كثيراً من المعاناة والحرمان تجرعها سكان الجنوب بسبب عبثية التخطيط والصرف للأراضي، فضلاً عن السطو والنهب المنظم الذي تم لعدد كبير من عقارات وأراضي الدولة والأملاك الخاصة من قبل النافذين، الأمر الذي زاد من تلك المعاناة وحرمان الكثير من حقوقهم وشعورهم بالقهر، كما زاد من حدوث التصادم والنزاع على الارضي في المجتمع والذي خلف اعداد كبيره من الضحايا خلال السنوات الماضية، بل وخلق الكراهية والأحقاد في المجتمع، بسبب سياسات التمييز والسلوكيات المتمثلة بالغطرسة والاستبداد من قبل السلطات والنافذين تجاه أبناء الجنوب.

وعليه فان مشكلة الاراضي تعد واحدة من أبرز المشاكل التي خلفتها الحرب على الجنوب في 1994م، وساهمت بإحداث شرخاً اجتماعياً في المجتمع، وتُعد احد تجليات الحرمان والقهر الاجتماعي الذي مورس ضد قطاع واسع من أبناء عدن وأبناء الجنوب بشكل عام خلال الفترة الماضية.

# مشكلة تهدد السلم الإجتماعي :

تنفرد عدن بخصائص سوسيولوجية وجغرافية متميزة ولهذا كانت محط أنظار لهجرات داخلية وخارجية عديدة، جعلت منها مدينة فسيفسائية، تعايشت فيها جميع الاجناس بمختلف دياناتهم وجنسياتهم، وبالعودة للتاريخ الحديث للمدينة كانت تابعة لسلطنة العبدلي لحج عند احتلالها من قبل بريطانيا في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وعندما شرع الاستعمار في قيام بعض المشاريع العمرانية أجرى الاتصالات مع شيوخ القبائل في المناطق القريبة كالعقاربة وأشترى منهم أجزاء من الأرض واستأجر بعضها بهدف قيام المشاريع الانمائية عليها.

لقد كانت معظم الأراضي فيها أراضي بيضاء باستثناء أجزاء بسيطة مزروعة منها أو تستخدم كمراعي للقبائل القريبة من ضواحي عدن. 

أما الأراضي الواقعة في قلب المدينة والقريبة من الميناء فكانت خاضعة لسيطرة الإدارة البريطانية، حيث قامت في تخطيطها بهدف إنشاء المشاريع السكنية والتجارية فوقها وتم تشييد عدد من المنشأة السكنية والتجارية في أحياء عدن المختلفة منذ أربعينيات القرن الماضي، في التواهي والمعلا وكريتر وخورمكسر.

وبعد الاستقلال 1967م خضعت الأراضي البيضاء لسيطرة ومسؤولية الدولة فهي التي كانت تمنح الأراضي في الحدود الدنيا لبناء المساكن الخاصة وبشروط مشددة.

وأصبحت مشكلة الاراضي هي المشكلة التي تهدد السلم الاجتماعي وخلقة التمايز المجتمعي، بسبب ما رافقها من تمايز واضح بين المنتصر في الحرب والمهزوم فيها، وارتبطت مسألة صرف الاراضي أو سحبها من السابقين ضمن توجه العمل السياسي للنظام.

# بداية ظهور مافيا الأراضي بعدن:

ما جرى بعد حرب 1994م، حيث تم السطو والسيطرة على ممتلكات الدولة العقارية ومساحات واسعة من الأراضي في الجنوب من قبل المتنفذين في نظام صنعاء ومافيا الاراضي، وظهور التمييز بين الجنوبيين والشماليين في هذا الخصوص فكان يحصل الشماليين على الاراضي بيسر، تفتح لهم ابواب الاسكان ومكاتب عقارات واراضي الدولة، بينما الجنوبيون يقبعون اشهر في طوابير انتظار مراجعة تلك الجهات دون جدوى.

# عبثية الصرف وتغيير المخططات :

فقد تم التعامل مع الأراضي بصورة همجية وعبثية في الصرف أو البسط على كثير من الممتلكات العامة والخاصة، وتم تغيير كثير من المخططات الحضرية السابقة والتصرف بالمساحات المخصصة للخدمات والمساحات الخضراء وتقليص مساحات القطع المصروفة للمواطنين من سابق، ولا سيما الاراضي التي وزعت على أفراد القوات المسلحة والأمن بهدف توفر مساحات إضافية يتصرف بها المسولين الجدد المعينين في عقارات الدولة بعد الحرب.

ولم يقتصر الأمر على تلك المؤسسات المسؤولة عن صرف الأراضي حيث فتح المجال بصورة واسعة أمام الإدارات والمؤسسات والمصالح الحكومية المختلفة التي عُين فيها مسؤولين جُدد بعد اقصاء السابقين من مواقعهم، وأقدم هؤلاء بالتصرف بأصول عدد من المؤسسات الحكومية العقارية، كما حصل في مؤسسة اللحوم وشركة التجارة ومستشفى الأمراض النفسية والمؤسسة العامة للحفر والزراعة والمؤسسة العامة للإنشاءات والتركيبات والمياه والتربية والتعليم والمساحة العسكرية والامن ودائرة أسر شهداء ومناضلي الثورة اليمنية، وتم التنسيق بين مصلحة الأراضي وتلك المؤسسات حول صرف عقود ووثائق التمليك والانتفاع، واشتركوا معاً في التصرف بتلك العقارات فيما بينهم، وتم توزيع تلك العقارات والأراضي التابعة للمؤسسات أو المساحات المجاورة لها.

# أراضي المنطقة الحرة .. عبث وصراع مستمر :

يذكر أن المنطقة الحرة هي الأخرى التي أقدمت على اقتطاع أراضي واسعة واحتسبتها ضمن أملاكها وأقدمت على صرفها للمستثمرين ومنعت جهات عديدة من السماح لها بالعمل في الأراضي التي تم صرفها لهم في فترات سابقة، اذ اقدمت على الغاء عدد من العقود السابقة، وإعادة التصرف بتلك الأراضي، الأمر الذي أدى إلى ظهور النزاعات في حالات عديدة بين المنطقة وأطراف أخرى على الأراضي، إعاقة قيام مشاريع التنمية الاستثمارية.

تجدر الاشارة إلى أن التصرف بالأراضي كان قد أرتبط بالتوجيه السياسي لنظام صنعاء بعد الحرب وفقا لمنهج الاقصاء والاستقواء.

وبهذا الصدد يشير هولسن في كتابه المواطنه المتمرده بان ذلك العمل الذي تمثل في تحويل المواطنه الى درجات متمايزة كان من خلال حيازة وصرف الاراضي ومن ثم في امكانية التحكم في الاقتصاد والسياسة.

وفي أغسطس 2020، أكد “علوي باهرمز” أحد مستشاري المنطقة الحرة بعدن أن الأخيرة تراجعت إلى الحضيض، وتحتاج إلى تصحيح المسار وإعادة القطار إلى سكته، حدّ وصفه.

وقال “باهرمز” إن هناك ثلاثة عوامل رئيسة عملت على تخريب المنطقة الحرة، التي كانت تمثل الأمل الاقتصادي في إنعاش عدن وسكانها وجعلها في مصاف المدن النموذجية، التي تحظى بالوجهة الاستثمارية العالمية.. مشيراً إلى أن الجانب الأمني هو المعيار الأول لتراجع أي استثمارات، ومع هذا هناك عوامل رئيسة عملت على تخريب ما حصل من تقدُّم في بداية تنفيذ المنطقة الحرة.

# الاستيلاء على مخططات ضباط الشرطة والجيش:

تم الاستيلاء على بعض المخططات المصروفة من سابق لا فراد الجيش أو الامن مثل مخطط ضباط الشرطة منطقة النصر عدن مثلا ًوتوزيعه على قيادات أمنية بعد الحرب يشمل ما يقارب 148 قطعة.

إضافة إلى اقتطاع مساحة كبيرة من مخطط ضباط الدفاع الجوي في منطقة أبو حربة مديرية البريقة.. التابع لجمعية معسكر أبو حربة التعاونية السكنية، حيث قام أحد المتنفذين بالبسط على مساحة كبيرة من مخطط الجمعية، رغم أن الجمعية لديها وثائق وعقود شراء رسمية من الملاك منذ العام 1997م  ، ووصلت قضيتهم إلى النيابات والمحاكم وصدرت بشأنها عدة أحكام قضائية منها حكم المحكمة الإبتدائية وحكم الاستئنافية لصالح الجمعية، وذلك في العام 2020م، إلا أنه مازال البسط قائم من قبل أحد متنفذي المنطقة الحرة في عدن.

# البسط على مخطط الفارسي :

تعالت مؤخراً أصوات ضباط وأفراد الأمن والجيش ، أعضاء الجمعيات السكنية، منها الجمعية السكنية التابعة للواء 31 مدرع والتي تم البسط على مخطط الجمعية في منطقة الفارسي بمديرية البريقة، من قبل أحد المتنفذين يدعى (فضل الوالي).

ونفذ ملاك مخطط الجمعية السكنية لأراضي اللواء 31 مدرع (الفارسي _ البريقة) صباح يوم أمس وقفتهم الاحتجاجية الثالثة امام المنطقة الحرة كالتكس، بوقف اعتداءات طالت أراضيهم من قبل أحد المتنفذين.

وحمل المحتجين يافطات تندد بقيام المدعو / فضل الوالي بالاعتداء على اراضيهم المصروفة منذ عام 2000 م بعقود رسمية من الهيئة العامة لاراضي وعقارات الدولة بمحافظة عدن.

وبهذا البسط على مخطط الجمعية السكنية لأراضي اللواء 31 مدرع، يكون قد تم حرمان أكثر من (400) مستفيد مابين ضابط وجندي.

وتلك الأراضي مصروفة لهم منذ أكثر من (22) عاما ، حيث أكدوا على تصعيد الاحتجاجات المطالبة بوقف الاعتداء على مخطط أراضي جمعيتهم، حتى يتم انصافهم، بحسب بيان صادر عنهم يوم أمس الأربعاء الموافق 29/ديسمبر/2021م.

# أخيراً :

ويستمر العبث في أراضي الدولة والممتلكات والأراضي الخاصة وكذلك الأراضي الخاصة بالجمعيات السكنية في عموم مديريات العاصمة عدن.

وهناك الكثير والكثير من القضايا العالقة التي سنتطرق إليها في مقالات وتقارير صحفية قادمة.