مسلسلات حرّفت الواقع التركي والعرب يقلدونها

متابعات

لعبت مجموعة من العوامل والظروف في هيمنة الدراما التركيّة على ذائقة الجمهور في البلاد العربية (والأجنبية أيضا) لعقد من الزمن، قبل أن يغزو العالم العربي طوفان من المسلسلات الهنديّة والمكسيكيّة والكوريّة، فعدت تركيا وفقا للإحصاءات ثاني مُصدِّر للدراما في العالم بعد الولايات المتحدة، وتقوم بتصدير مسلسلاتها إلى أكثر من 90 دولة مختلفة سواء بالترجمة إلى أو الدبلجة إلى لغتها الأم. ثمّ حدث التحوّل المهم بالنقلة التي أحدثتها منصة نتفليكس (على الرغم مما احتوته في بعضها من محتويات تتنافى مع الأخلاق العربية) وغيرها من منصات رقميّة؛ قدمت محتويات جديدة بتقنيات عالية.

وفي عالمنا العربي، وجد الجمهور، خاصة النساء، ضالته في دراما جديدة نوعا ما تختلف عن تلك التي يُقدمها سوق الإنتاج العربي، على نحو ما قدم مسلسل نور (إنتاج 2008) - بطولة كيفانش تاتليتوغ (في دور مهند)، وسونجول أودن (في دور نور)، باكورة اللقاء بين المشاهد العربي والتركي، وقد حقق المسلسل رواجا هائلا فاق توقعات فريق عمله؛ حيث حصل على أعلى نسبة مشاهدة بأكثر من 85 مليون مشاهدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليصبح أول مسلسل تركي يحقق هذا النجاح.

كان من آثار هذا الانبهار الذي لاقته المسلسلات التركيّة من قبل الجمهور، أن صارت الدراما التركيّة هدفا من قبل صُنَّاع الدراما العرب (من منتجين ومؤلفين ومخرجين) لاقتباس موضوعاتها وأفكارها وأجواء تصويرها، علاوة على تعدّد أجزائها، ومن أشهر المسلسلات التركية التي تمّ اقتباسها عربيّا مسلسل “عروس إسطنبول”، بطولة أوزجان دنيز، وأصلى إنقر، فقد جاءت نسخته العربية بعنوان “عروس بيروت”- بطولة ظافر العابدين، وكارمن بصيبص، وإن كانت الأخيرة اتسمت بالمط والتطويل والتقليد الفج دون الابتكار أو مراعاة الخصوصية العربية بما فيها من عادات وتقاليد…إلخ.

وما لبثت مع موجة التقليد والاقتباس التي طالت أعمالا كثيرة، أن وقعت الدراما التركية هي الأخرى في فخ الاقتباس والتقليد من المسلسلات الأجنبية، فشاهدنا مؤخرا المسلسل التركي الذي كانت تبث حلقاته على قناة ستار (Menajerimi Ara) “اتصل بمدير أعمالي” وهو مقتبس من مسلسل فرنسي بنفس العنوان، وإن كانت النسخة التركية التي لعب أدوار البطولة فيها: بارش فلاي، وجازان أرغودار، وفاتح أرتمان، وأحسن أر أوغلو، دينيرو جان أكتاش، وآيشيل شاملي أوغلو، وسرحات تومان، بإخراج متميز لعلى بلقين، تميزت بتتريك النسخة الفرنسية، وإضافة الكثير من الأحداث التي لم تتضمنها، تماشيا مع طبيعة الثقافة التركية والعادات الشرقية.

استطاع المسلسل بذلك أن يتجاوز الحبكة الفرنسيّة، ليغزل حكاية مصنوعة بإحكام عن هذه الصناعة بما يتضمنها من تفاصيل عن سوق الإنتاج التركي والتنافس بين الشركات على احتكار النجوم وتسويق الأعمال وإنتاجها.

كما يقدم المسلسل صورة واقعية عن كيفية صناعة النجوم وسياسات الإنتاج والتحضير للعمل، وكأننا داخل ورشة حقيقية لصناعة عمل فني (دراما / سينما / إعلان ترويحي لمنتج، إلخ…) من الصفر، منذ لحظة قراءة السيناريو واختيار الأبطال والتحضير للعمل، ومتابعة تلقي العمل على وسائل التواصل الاجتماعي، وما يثيره التقييم التنافسي للمسلسل من قبل المشاهدين، من صراعات السباق بين زملاء الوسط، وما ينتج عن هذا من مشاكل تواجه النجوم، وقدرة شركات الإنتاج أو مدير الأعمال على تزييل كافة العقبات للوقوف خلف النجم في كل ظروفه وحل مشاكله بما فيها العاطفية، وهو ما يكشف عن أننا أمام صناعة كبيرة يقف خلفها الكثيرون، وتدار بالجهد والتعب والإصرار.

وإذا عدنا إلى الوراء قليلا لوجدنا هناك المسلسل الشهير “حطام” إنتاج عام 2014 (ثلاثة أجزاء) ينتمي إلى المسلسلات المقتبسة من غيرها، فهو مأخوذ عن الدراما الكورية “الخريف الذي في قلبي” ولعب فيه دور البطولة النجم أركان بيتكايا، والنجمة أبرو أوزكان، مع نورسال كوسا، ونور جول يشيل شاي، وبالمثل هناك مسلسل “الطبقة المخمليّة” (إنتاج 2016)، من بطولة ميريك آرال، وإنجين أوزتورك، وهازار إيرجوتشلو، وأوزان دولوناي، وإخراج ماتين بالكو جلو، وهو مأخوذ من دراما كورية بذات الاسم.

ويدور في إطار رومانسي وإن كان منسجما مع التيمة السائدة في الدراما التركية، حيث عشق أحد أبناء العاملين (ينتمي إلى الطبقة الفقيرة) لدى أسرة غنية لابنة هذه الأسرة، والصراع الدائر بين الطبقتين، لمنع حدوث مثل هذا التقارب الذي لا يتناسب مع وضعية الأسرة الثرية. وغيرها من أعمال كشفت عن حجم الاقتباسات بين الدراما التركية وغيرها من أعمال درامية آسيوية وأجنبية.

الشيء المهم واللافت في آن واحد أن عمليات الاقتباس التي تتمّ في الدراما التركيّة من الدراما الأجنبيّة، أنها تأتي بإضافات جوهريّة للعمل المأخوذة منه، تصل إلى حدّ تتريكه، حتى يبدو وكأنه عمل تركي الأصل وليس مقتبسا من عمل آخر، خاصة في تشابه الكثير من القضايا المثيرة وغير المحسومة في المجتمع التركي وأهمها قضايا الهوية والانتماء والاعتزاز بالقومية والعنف ضدّ النساء.

العنف ضد النساء هو العنوان الأكثر حضورا في وسائل الإعلام التركية، والفضاء السبراني؛ فمعدلات العنف بكافة أشكاله تزداد كل يوم، ولا تقتصر على نوع محدّد، فهناك العنف الجسدي الذي ينتهى بالموت، ومعدلاته تزداد ليس في تركيا وحدها، بل في جميع بلاد العالم. ففي تركيا تحديدا  وصل عدد القتلى بين النساء إلى 300 امرأة في عام 2020 مقابل 22 امرأة في عام 2002، وهو معدل رهيب نوعا ما، ويشير إلى منحى خطر  يمكنه وصفه، بتعبير حنة أرندت، بأنه من أكثر الجرائم طيشا، وهو ما يشير إلى دلالة أكثر خطورة هو أن العقل قد أغلق نفسه بوحشية.

هذا الإطراد في معدلات العنف الجسدي والتحرُّش والاغتصاب وغيرها من أمور صارت المرأة ضحية لها من قبل الأقارب على اختلاف درجاتهم؛ كالزوج والأب والابن، والحبيب السابق والحالي، وفي بعض الأحيان الجار أو الصديق، يكشف عن خلل مجتمعي، خاصة في التكوين الاجتماعي والقيمي  للفرد، على الرغم من وجود الأنساق والقونين (العلوية والأرضية) التي هي بمثابة الحصن الواقي من الزلل لفخ العصبية واللوذ بالأنساق العرفية والوضعية.

كما أشارت الدراسات إلى ما تُعانيه وضعية المرأة في العالم بصفة عامة من انتكاسات حقيقية في مجال الحقوق. وعلى الرغم من الصيحات النِّسْويّة والمنظمات الحقوقيّة وغيرها، للمطالبة بالحدّ من هذا الامتهان الذكوري، أو على الأقل الشعور بالأمان الجسدي والنفسي، ومجابهة هذه التعديات بقوانين رادعة إلا أن مسألة العنف الذي تواجهه المرأة في ازدياد في مفارقة عجيبة لتلك الصيحات المدافعة عنها، وإصدار القوانين لصالح حمايتها.

الازدياد في معدلات الجريمة ضد المرأة كان سببا رئيسيّا لاحتجاج منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية على خروج تركيا من “اتفاقية إسطنبول” لمكافحة العنف ضد المرأة، خشية من تفاقم الأمر وافتقاد المرأة للحماية والأمن اللذين كانا توفرهما الاتفاقية.

ونتيجة لتفاقم الوضع أولت الدراما التركيّة في الفترة الأخيرة عناية كبيرة بقضايا المجتمع التركيّ بعيدا عن تلك المسلسلات التي صدّرت صورة، مغلوطة نوعا ما، عن المجتمع التركي، فبدا وكأنه غارق في الانفتاح عبر علاقات غير رسميّة، وانتهاكات لقدسية الأسرة، ومنهمك في صراعات عائليّة لا حد لها، ومؤامرات للاستحواذ على الثروة، وغيرها من أعمال انشغلت بالشكل دون جوهر المجتمع وعصبه، فعرضت للسطح منه دون التعمُّق في واقع مشكلاته الحقيقية، الذي لا يختلف عن واقع أيٍّ من الشعوب العربية المجاورة التي تعاني السلطوية، والسغب في العيش إلى جانب ما تُعانية المرأة من ظلم وغبن في حقوقها وقمع لإرادتها واستقلالها

ومن ثمّ ركزت الدراما في الفترة الأخيرة على تقديم أعمال تتماس بصورة قريبة مع المشاكل التي تعاني منها الأسر المنتمية للطبقة المتوسطة وأيضا الثرية مثل الحرمان من الأمومة والتحرّش والاغتصاب والعنف، وأيضا قضايا الطفولة والتبنّي، وأطفال الملاجئ ونظرة المجتمع لهم، وهل يمكن دمجهم في نسيج المجتمع الكبير، أم ثمة إقصاء وعنصرية في التعامل مع هذه الفئة، وإلى جانب هذه الأعمال كانت هناك الدراما التي عكست الانتماء الوطني والفخر بالأمجاد والانتصارات، وهو ما ظهر جليّا في مسلسل “المنظمة” الذي يقدم بطولات جهاز الاستخبارات التركية (القلعة) في مجابهة الأخطار التي تُحدق بتركيا داخليّا وخارجيّا، وإظهار تمكّنه من امتلاك أذكى وأشجع الفدائيين والفدائيات، وكذلك أحدث المعدات التكنولوجيا في حربه ضدّ أعداء الوطن.

نفس النبرة، نبرة الفخر والانتماء القومي، تسري على مسلسلي “المؤسس عثمان” الذي يتناول سيرة المؤسس الأول للدولة العثمانية وجهوده في تأسيس الدولة ونقلها من الضياع والفقر إلى القوة والصلابة، وصراعاته ضد المغول والتتار  والصليبيين والفرس والبربر، وقدرته على التصدي لمشكلات الخارج وكذلك الداخل المتمثِّلة في الصراعات العائلية.

وكذلك مسلسل “باربروس أو الباربروسيون” والمسلسل الأخير يقدم سيرة شخصية للبحاريْن التركييْن؛ خيرالدين باربروس، الذي كان يُطلق عليه قبطان باشا أو قبطان بحر الإمبراطورية العثمانية، وأخيه عروج باربروس، وبطولاتهما البحرية في عهد السلطان سليم الأول، وما كان لها من تأثيرات مهمة في امتلاك الإمبراطورية العمثانيّة، وقتذاك، السِّيادة على البحر المتوسط.

وتوالت الأعمال مؤخّرا التي تجاوبت مع قضايا القوميّة التركيّة سواء على سبيل الفخر والاعتزاز، أو على مستوى الوقوف على حقيقة المشكلات التي يواجهها المجتمع التركي بعيدا عن الدعاية الكاذبة أو الصورة التي طرحتها المسلسلات الرومانسية، كانت كاشفة لمثل هذه القضايا مثل مسلسل “بدون حكم” الذي قدم الكثير من حكايات حقيقية لنساء تعرضن للعنف بكافة أشكاله، وبالمثل مسلسل “اللهيب” الذي سلط هو الآخر الضوء على ما تعانية المرأة من الذكورية، وإن كانت في شكلها العصري، حيث الذكورة تحتل مناصب مرموقة في الدولة وتحيا في رفاهية.

وكذلك جاء مسلسل ‘الطفولة’ الذي لعب بطولته أردال بيشيكتشي وبورجو أوبرك، والطفلة بيرين جوكيلديز التي سرقت الأضواء من الجميع بآدائها التلقائي والمتقن، وقد سلط المسلسل الدورَ على وضعية أطفال الملاجئ، والصراع بين الرغبة في البقاء في الملجأ أوالانتساب إلى أسرة جديدة، وعن مدي كيفية التكيف مع الأسرة البديلة

يندرج ضمن المسلسلات التي تتماشى مع القضايا التي يُعاني منها المجتمع التركي، المسلسل الجديد “الكاذب” الذي بدأ عرضه على قتاة (شو.تي.في) مع منتصف شهر سبتمبر وهو في الأصل مقتبس من مسلسل بريطاني بنفس الاسم. والمسلسل التركي ينتمي إلى المسلسلات الاجتماعية ذات الإطار الرومانسي مع الميل إلى الإثارة والتشويق وهي النوعية التي تجذب الاهتمام من قبل الجمهور الذي تفاعل مع الأحداث مع الحلقة الأولى، عبر وسوم حملت اسم المسلسل على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتدور أحداث المسلسل حول دنيز مُعلِّمة أدب في إحدى المؤسسات التعليمية، تقوم بدورها بورتشين ترزي أوغلو مواليد 1980، مطلقة حديثا من زوج يعمل في إدارة الأمن العام، وبعد إلحاح من أختها ياسمين (تقوم بدورها جيزام إرمان) طبيبة تخدير تعمل في مستشفى خاص، تدفعها إلى موعد عشاء مع زميلها الجراح محمد أمير (صالح بادمجي) وهو جراح شهير، له ابن (دوروك) يدرس في المدرسة التي تعمل فيها المعلّمة دنيز.

وبعد انتهاء العشاء يذهبان معا (الطبيب والمعلمة) بغرض توصيلها إلى المنزل، وهناك تأخذ الأحداث مسلكا آخر، حيث يدعي الطبيب أن بطارية هاتفه قد نفدت وهو في حاجة إلى هاتف للاتصال بتاكسي لتوصيله إلى منزله في هذه الليلة المطيرة، وعلى الفور تطلب منه دنيز الدخول إلى البيت كي تُحْضِر له شاحنا للهاتف، وفي نفس الوقت تدعوه للشراب، وبالفعل يتمُّ تناول الشّراب بينهما لاستكمال سهرة العشاء التي بدأت في المطعم، على الرغم من أن هذه التفصيلة غير مقنعة إلا أنها كانت بداية للتحول في القصة، وكان الأولى إيجاد حيلة أخرى لتواجد الطبيب في بيتها

هكذا يظن المشاهد أن الليلة انتهتْ برضا بين الطرفين، لكن المفاجأة كما بدا في مشهد الافتتاح أن البطلة دنيز تذهب إلى منزل أختها ياسمين وتخبرها بأن أشياء كثيرة سيئة في هذه الليلة حصلت لها، ومن جملة ما أخبرتها به أنه تم الاعتداء عليها جنسيّا من قبل الطبيب الجرّاح.

وما بين المفاجأة التي تفجرها الأخت، خاصة أنها تعرف سلوك صديقها الجرّاح الذي تزاملت معه لفترة طويلة في المستشفى ومعهود عنه الأخلاق والاستقامة والصدق، وفي ذات الوقت تعرف أن أختها تتعاطى علاجا نفسيّا، تذهب بها إلى المستشفى للتحقّق مما قالت، ويتم عمل الكشف اللازم، وبعدها تقرر إدارة المستشفى استدعاء الشرطة لمواصلة التحقيق في الاتهام بالتحرش الذي توجهه مباشرة إلى الطبيب محمد أمير، الذي يتلقى خبر اتهامه وهو في غرفة العمليات، فيتم استدعاؤه على الفور لاصطحابه إلى مركز الشرطة للتحقيق معه.

هكذا يصبح صديق عشاء الأمس متهما بالتحرّش، وهي التهمة التي تلقى اهتماما بالغا من أفراد المجتمع ككل، وبالفعل يتم استجواب الطبيب، وسط حالة من الاندهاش والإنكار للاتهامات، خاصة وأنه أثبت أن ما قام به هو باتفاق مشترك ورضا بين الاثنين دون أن يكون عنوة.

دنيز على ما يبدو من خلال أحاديث أختها وزوجها تارة، وأختها وزوج دنيز السابق مراد (المحقق في الأمن العام) تارة أخرى، أنها مرت بحادثة من قبل، استدعت تناولها علاجا، وأنها مصابة بتهيؤات ورؤى كاذبة، لذا تخشى الأخت أن يكون اتهامها للطبيب مبنيّا على هذه الحالة المرضية السابقة. لكن يسعى الجميع إلى إخفاء الحقيقة عن محققي الشرطة، كما تكشف أحداث المسلسل عن جوانب خفيّة في علاقة الأختين، فالطبيبة ياسمين على علاقة بزوج أختها (دنيز) أثناء فترة الاستعداد للطلاق، وهو ما تخشى الأخت أن يفتضح أمره، ومع الاستعانة بالزوج السابق وهو ضابط شرطة، تعود العلاقة من جديد بينهما؛ الزوج السابق (مراد) والأخت ياسمين التي ينتابها صراع بين الإخلاص لعائلتها زوجها وطفليها، والانغماس من جديد في علاقة مع زوج أختها الذي لا يتردد في الإفصاح عن مشاعره كلما استعانت به للحديث عن أزمة أختها، ومحاولاتها المساعدة في إثبات التهمة على الطبيب.

وعلى الجانب الآخر يكشف المسلسل مدى تغوُّل سُلطة السوشيال ميديا وكيف أنها سلاح مدمر، فالمعلِّمة المعتدى عليها، تستخدم حسابها لفضح الطبيب، في محاولة لكسب ودّ الرأي العام معها في قضية تحظى بدعم مجتمعي ومؤسسي بالغ الخطورة في تركيا، بسبب تعدّد مثل هذه الجرائم، في مقابل تهاون الأحكام الرادعة على القائمين بالفعل الشائن. وبالفعل تنجح خطة دنيز في تشويه صورة الطبيب، وهو ما يسبب أزمة له في عمله ومع ابنه خصوصا، وإن كان في ما بعد يتفهم أمر والده ويسانده، ويقوم الابن هو الآخر باستغلال حسابات وهمية للهجوم على الطبيبة، وهكذا تتحوّل المعركة من أروقة البوليس الذي مازال يتحرى عن صدق الاتهام، إلى منصات التواصل الاجتماعي.

ومع تقدم الأحداث نكتشف أن الطبيب الجراح ليس أول ضحايا المعلِّمة، فهناك ضحايا آخرون، لكن دوافعها لهذا الفعل مازالت مجهولة، وهو ما سيتكشف في الحلقات القادمة. يُشارك في العمل مجموعة من الممثلين على رأسهم بورتشين تيرزي أوغلو، وجيزام إرمان، وجمال توكتاش، ومراد كيليتش وشاهين إرماك، والإخراج لعلى بلقين.

هكذا تحوّلت بوصلة الدراما إلى الاهتمام بالقضايا الداخليّة، لا مكتفية بتسليط الضوء عليها أو حتى التحذير من عواقبها، وإنما راحت تناقش الأسباب والدوافع، وتضع كل شخص أمام مسؤولياته ودوره المنوط به لمنع حدوث مثل هذه الجرائم في ما بعد أو على الأقل تقليل نسبة حدوثها، وهو ما أكسب مثل هذه الأعمال الدراميّة مشاركة مجتمعيّة فعالة على أعلى المستويات، بالسجال والمناقشة عقب كل حلقة، وتحليل مضمون الحلقات في نقاشات جماعيّة غرضها الوصول إلى حلّ جذري لهذه الآفة التي أرّقت المجتمع وسبّبت صداعا مُزْمنا لأولي الأمر.