فيلم "المذنب" حكاية مشوقة يحرك تفاصيلها الهاتف

متابعات

لك أن تلاحظ أفلاما ركيزتها الأساسية الحوار الذي لا غنى عنه ولا بديل، وهو الذي يكمل الصورة ويعزز بناءها.

وفي فيلم “المذنب” للمخرج أنطوان فوكوا سوف نلحظ ذلك النوع من الاستخدام المكثف والعميق للحوار الذي لا غنى عنه ولا بديل، والذي بالإضافة إلى المعرفة والمعلومات التي يضخها إلى المشاهد فإنه يحرك عنصر التخيل في تتبع أحداث افتراضية لا تأتي إلا عن طريق الصوت والحوار.

المخرج فوكوا مخرج بارع ومعروف بعدد من الأفلام الرصينة التي قدمها ومنها مثلا فيلم “المعادل” بجزئيه، والذي أدى الدور الرئيسي فيه الممثل المبدع دينزل واشنطن، وله أيضا الفيلم الشهير “يوم التدريب” و”الملك آرثر” و”دموع الشمس” وغيرها من الأفلام، ولهذا لا تقل براعته في إخراج هذا الفيلم عن براعته في إخراج تلك الأفلام سابقة الذكر والتي بقيت راسخة في ذهن المشاهد.

يقدم الفيلم الجديد شخصية الضابط جو بيلور (الممثل جاك بولينهال) الذي يقوم بمناوبة ليلية لتلقي الاتصالات الهاتفية لأناس يحتاجون إلى أجهزة الشرطة لطلب المساعدة، ويقع كل ذلك على خلفية حرائق اجتاحت عددا من الولايات الأميركية وجعلت سكانها في حالة من التوتر والذعر، ولهذا فإن مجرد وجود هذه الأجواء كاف لإضفاء حالة من التوتر منذ المشاهد الأولى للفليم، وهو ما سوف يقع فعلا وما سوف يترتب عليه من ردود أفعال من الجانبين، الشخص المتصل ورجل الشرطة الذي يتلقى الاتصال.

لا تبدو هذه المقدمة والأرضية التي بنيت عليها أحداث الفيلم كافية لتأسيس بناء درامي يرتكز على الحوار ما بين متصل ومستقبل، ما لم تتوفر تحولات درامية تدفع المشاهد إلى الترقب والمتابعة، ولهذا فإن أول ما يتبادر إلى الذهن في هذا النوع من الأفلام هو حالة الاستغاثة التي يلجأ إليها المتصل الذي يقع في مأزق يستدعي طلب النجدة.

وها نحن مع التعاطف الشديد للضابط جاك مع امرأة على الطرف الآخر يفترض أنها ضحية اختطاف، ولهذا يجند إمكانات الشرطة لإنقاذها بكل ما يستدعي ذلك من شد عصبي وتوتر ولحظات ترقب، يضاف إليه ما سوف نكتشفه من معلومات عن طريق الحوار تتعلق بشخصية الضابط ذاته الذي هو بالأساس أحوج ما يكون إلى مد يد العون والمساعدة.

وبذلك تم بث حبكات ثانوية دفعت بالأحداث في هذه الدراما الفيلمية إلى الأمام، فالإشكالية الأولى التي يجد جاك نفسه في مواجهتها هو تأثره العاطفي الشديد من قرار انفصاله عن زوجته وشدة ارتباطه بطفلته التي هي في حضانة طليقته، مما يدفعه إلى الاتصال للحديث مع الطفلة في أوقات غير مناسبة، وهو ما سوف يتكرر في مشاهد متعددة.

هذا التعبير عن الأزمة النفسية والاجتماعية كاف للتأسيس على شخصية تقع في وسط أزمة، ولهذا ليس مستغربا رد فعله تجاه الآخرين وتجاه المتصلين من طالبي المساعدة بحكم عمله في جهاز الشرطة، لكن التحول الدرامي الجذري في هذا الفيلم سوف يظهر بالتدرج من خلال اكتشاف أن جو كان قد ارتكب عملية قتل لشاب أثناء عمله، وأن المرافعة من المتوقع أن تبدأ خلال أربع وعشرين ساعة، وهي المدة التي كان جو يتلقى فيها شتى الاتصالات ويسعى لإنقاذ المرأة المختطفة، التي يظهر في ما بعد أنها مريضة نفسيا وكانت قد أجهزت على طفلها وضربته بسكين بسبب اضطرابها العقلي.

كل هذه الخطوط الدرامية سوف تتفاعل دفعة واحدة لنشاهد الشخصية الرئيسية محاطة بقوى ضاغطة ومؤلمة من جميع الجهات تتسبب في انهياره واستسلامه للبكاء، وهو يطالب زميله بقول الحقيقة في المرافعة بعدما كانا قد اتفقا على فبركة رواية موازية.

يعود بنا هذا الفيلم إلى فيلمين آخرين يسيران على نفس ذلك المسار، الأول وهو الفيلم الدنماركي الذي حمل نفس الاسم للمخرج دين سكيلديج، والفيلم الأميركي الذي حمل عنوان النداء أو المكالمة، للمخرج براد أنديرسون، وتمثل شخصية الضابط الذي يتلقى الاتصالات الممثلة هال بيري، ونجد أن مسارات الأحداث في هذه الأفلام الثلاثة تلتقي عند نقطة محورية واحدة وهي تلقي الاتصالات من طالبي المساعدة، لكن الأمر المختلف هو الخروج من دائرة ونطاق المكان الواحد المغلق كما في هذا الفيلم الذي نتحدث عنه الآن، بالمقارنة مع فيلم النداء الذي يخرج بنا إلى الخارج ويتتبع المجرم وهو يقوم بعملية الاختطاف وما سوف يلي ذلك من أحداث متصاعدة.

من جهة أخرى تتحول شخصية المتصلة في فيلم المكالمة إلى مساهم فعال في تأجيج الأحداث في مقابل كون الفيلم موضوع المقال يبقي الممثل مستخدما الصوت والحوار والتواصل عبر الهاتف وسيلة وحيدة، إلا أنه ومع ذلك نقلنا إلى أجواء درامية حركت خيال المشاهدين وأضفت متعة على الأحداث.