ارتفاع معدلات العنف في المدارس يصدم التونسيين

وكالة أنباء حضرموت

 أثارت حوادث عنف شهدتها المدارس التونسية مؤخرا بين التلاميذ فيما بينهم وحتى بين التلاميذ والمدرسين صدمة داخل المجتمع التونسي باعتبارها ظاهرة جديدة لم يعتد عليها التونسيون، وسط دعوات لإطلاق حملات توعوية تحد من الظاهرة.

وفي بيان أصدرته مؤخرا، دعت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط، إلى إقرار يوم وطني لمناهضة العنف في تونس، مؤكدة أنها تتابع ضمن أنشطتها واهتماماتها اليومية، “تنامي العنف في المؤسسات التربوية وبين التلاميذ والقصر في ظاهرة خطيرة لم تعرفها تونس من قبل".

واعتبرت المنظمة أنه من المهم جدا إقرار يوم وطني لمناهضة العنف المجتمعي والعنف الأسري وإقرار قوانين جديدة تتماشى مع هذه الظاهرة الجديدة ويكون العقاب فيها على قدر الجريمة. وأشارت إلى أنه تم تسجيل خلال شهر أفريل الجاري أرقام غير مسبوقة من حيث حوادث العنف التي ارتقت إلى جرائم قتل ومحاولات قتل كان القصّر ضحاياها أو مشاركين فيها وطالت حتى المدرّسين.

وشددت المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط على أن البداية تكون بالأسرة التي يجب أن تتحمّل مسؤوليتها كاملة في الإحاطة بأبنائها والتحاور اليومي معهم ومراقبتهم، مذكرة بنتائج دراسة ميدانية أنجزتها في مارس 2023 وخلصت إلى أن 80 بالمئة من الأولياء لايتحاورون مع أبنائهم في مسائل تهم حياتهم الشخصية واليومية، و”هذا سبب مباشر لتفشي العنف بين الأطفال”، وفق تقديرها.

وقالت إنه يجب أن تأخذ الدولة ظاهرة العنف مأخذ الجدّ وتوفر كل الآليات اللوجستية والماديّة لمقاومتها بالتعاون مع المنظمات والجمعيات ذات الصلة.. كما يجب على الإعلام القيام بدوره التوعوي في الحدّ من هذه الظاهرة والتوقّف على بثّ البرامج والأعمال التلفزية التي تروّج للعنف وتشجع عليه.

وأضافت أنه على المسؤولين عن المؤسسات التربوية إخضاع التلاميذ من حين لآخر إلى التفتيش الفجائي لما يحملون فظاهرة حمل بعض التلاميذ لأسلحة بيضاء لم يعد ممكنا السكوت عنها وتجاهلها، في إشارة إلى حادثة طعن تلميذ لأستاذه خلال حصة الدرس بإحدى الإعداديات بولاية القيروان.

وتسعى المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسّط إلى الحدّ من هذه الحوادث عبر الومضات التحسيسية التي تقوم بها أو عبر الاتصال المباشر بالقصّر والتلاميذ، وفق ما أفاد به البيان، مشيرا إلى أن للمنظمة برامج أخرى تنتظر الموافقة من السلط المعنية، من بينها حلقات نقاش وتواصل داخل المؤسسات التربوية بين التلاميذ والمربين و العاملين تهدف إلى بسط سلطة التحاور باعتباره الوسيلة الوحيدة للتواصل الناجع.

ولاحظت أنه لا يمكن للحلول الأمنية وحدها القضاء على هذه الظاهرة المهددة للعائلات والمجتمع نظرا لحساسية التعامل الأمني والقضائي مع مرتكبيها، وهو ما يتطلب تضافر كل الجهود للحدّ من هذا الخطر وإنقاذ الأطفال من غول العنف.

◙ أرقام غير مسبوقة لحوادث العنف التي ارتقت إلى جرائم قتل كان القصّر ضحاياها أو مشاركين فيها وطالت حتى المدرّسين

وشهدت محافظة القيروان (وسط) منذ يومين اعتداء تلميذ على مدرس بواسطة سكين، إلا أنها لم تؤد إلى أضرار بدنية لكن تم الاحتفاظ بالتلميذ لتتخذ في حقه الإجراءات المناسبة. وفي أكتوبر 2022، أكد بوزيد النصيري مدير عام الدراسات والتخطيط ونظم المعلومات بوزارة التربية، أن ظاهرة العنف في الوسط المدرسي أصبحت على غاية من الخطورة على مستوى المؤسسة التربوية وعلى مستوى المجتمع ككل، خاصة وأن المهام الأساسية للمنظومة هي التربية.

وأضاف النصيري أن وزارة التربية تسجل سنويا بين 13 ألف و 21 ألف حالة عنف في المؤسسات التربوية وخاصة منها المدارس الإعدادية والمعاهد. وأشار إلى أن النسبة تتراوح بين 1.7 و2 في المئة وهي دون المعدلات العالمية للعنف في الوسط المدرسي، وقال إن الأسباب متعددة وهي خاصة حالات القلق والتوتر لدى المراهقين والوضع الأسري والتربوي وبعض الأمراض النفسية أيضا، ليكون التلميذ ضحية عنف وضحية المنظومة ككل.

وأضاف أنه من الضروري مزيد العمل على الجانب البيداغوجي وتطوير المهارات الحياتية والعناية بالحياة المدرسية والأنشطة الرياضية والثقافية والانفتاح على المؤسسات الموجهة للشباب وأنشطتها. وأشار إلى أن المقاربة الأمنية لا يمكن أن تكون ناجعة داخل المؤسسة التربوية وهي تهتم بحفظ الأمن العام في محيط المؤسسة التربوية.

ويذهب علماء الاجتماع في تونس إلى ربط ارتفاع العنف في صفوف الأطفال بغياب الحوار داخل الأسرة، وسط عدم استيعاب للتحولات التي يعيشها الأبناء على مستوى القيم والمفاهيم. ودعا المختصون إلى ضرورة الإنصات إلى الشباب أو الأطفال داخل الأسرة ودعم التوعية والتحسيس حتى يتم استيعاب نزعتهم الفردانية.

ولفت محمد الجويلي المختص في علم الاجتماع، إلى غياب فهم واضح لدى بعض الأسر للتحولات التي يعيشها أبناؤهم، مؤكدا انتشار النزعة الفردانية لدى الشباب، ليكونوا أكثر انشغالا بالذات، فيصبون جام اهتمامهم على قيمتهم المعنوية ويمارسون أهدافهم ورغباتهم ويرفضون أي إهانات أو تجاهل أو عنف من الطرف المقابل.

وقال الجويلي “عادة ما تكون هذه التحولات التي يعيشها الفرد (الشباب أو الأطفال) في اتجاه معارض لمنظومة القيم الكونية للأسرة والمجتمع، مما يخلق تصادمات بين الفاعلين يؤدي إلى مربع العنف”. ونبه إلى أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية والأسرة غير قادرتين اليوم على فهم واستيعاب هذه التحولات التي يعيشها الأبناء في ظل مجتمع المعلومات والاستهلاك.

ودعا في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إلى ضرورة الإنصات إلى الشباب أو الأطفال داخل الأسرة وفي المؤسسات التربوية ودعم التواصل الأسري. ويرى الخبراء أن ظاهرة استشراء العنف المادي واللفظي في صفوف التلاميذ أدت إلى تسجيل خسائر في الأرواح بسبب تهور أطفال قصر لم يلقوا الرعاية والتأطير اللازمين في الوسط العائلي والمدرسي على حد سواء.

وأصبحت شكاوي ضحايا التلاميذ، سواء تعلق الأمر بتلاميذ آخرين أو بمنتمين إلى الإطار التربوي، لدى السلطات الأمنية أو لدى إدارات المدارس، أمرا مألوفا بسبب تنامي العنف بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما تؤكده الأرقام المفزعة الصادرة عن جهات رسمية. ويشير الخبراء إلى أن تنامي حالات العنف في الوسط المدرسي يدل على أن هناك خللا ما يعيشه المجتمع التونسي أنتج هذه الظاهرة الغريبة عن عادات وتقاليد هذا المجتمع المنفتح على محيطه.