ماذا وراء التقارب المتزايد بين تونس وإيطاليا

وكالة أنباء حضرموت

تواترت في الفترة الأخيرة زيارات رسمية لمسؤولين إيطاليين إلى تونس لعلّ أبرزها زيارة رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني ووزير الدفاع غويدو كروساتو، في خطوة طرحت لدى الأوساط السياسية والشعبية تساؤلات بشأن هذا التقارب التونسي – الإيطالي.ومن المنتظر أن تتواصل زيارات الوزراء الإيطاليين، حسب ما أعلنته جورجيا ميلوني، حيث ستكون هناك زيارات مرتقبة لوزراء الثقافة والتعليم العالي بعد زيارة وزير الدفاع تحت غطاء “الحضور المستمر للحكومة الإيطالية في تونس”، في محاولة للتصدي للهجرة غير النظامية.

ولئن أكد مراقبون أن الزيارات تحوم خصوصا حول المزيد من التنسيق الثنائي بشأن قضايا الهجرة غير النظامية ومخاطر الإرهاب المهددة للمنطقة، فإن البعض لا يستبعد أن تكون هذه الزيارات تخفي أشياء تطبخ في السرّ غير تلك المعلنة. ويرى هؤلاء أن إيطاليا لا تريد أن تواجه وحدها تداعيات تدفق المهاجرين عليها، لذلك تحاول أن تجعل الحدود التونسية جدار الصد الأول، وتدفع بقوة نحو تحويل تونس إلى منصة لاستقبال المهاجرين وإيوائهم.

وبعد مرور أيام قليلة على الزيارة التي قامت بها رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس، رفقة وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي، ووزيرة الجامعات والبحوث آنا ماريا بيرنيني، ونائب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي إيدموندو جيريلي، وتوقيع اتفاقيتين ومذكرة تفاهم في إطار جهود التصدي للهجرة، قام وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروساتو بزيارة إلى تونس في الأيام الأخيرة، للمشاركة في أشغال اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة التونسية – الإيطالية الخامسة والعشرين.

وأعلنت وزارة الدفاع في تونس أن الوزير عماد مميش ونظيره الإيطالي غويدو كروساتو اختتما أشغال اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة التونسية – الإيطالية الخامسة والعشرين الذي انعقد الاثنين في تونس. وعبّر مميش خلال كلمة ألقاها بالمناسبة عن ارتياحه للأجواء الإيجابية التي دارت فيها الأشغال، مثمّنا الدعم الإيطالي في المجالين العسكري والتنموي.

كما أشاد بالنتائج الإيجابية للأنشطة العسكرية التي تم تنفيذها خلال سنة 2023، مؤكدا حرص البلدين على توفير عوامل نجاح الأنشطة المبرمجة ذات الاهتمام المشترك للسنة الحالية بما سيساهم في تطوير القدرات العملياتية للمؤسستين العسكريتين في البلدين.

وتنتظم اللجنة العسكرية المشتركة التونسية – الإيطالية سنويّا بالتناوب بين البلدين بهدف تقييم الأنشطة المبرمجة بين الجانبين، إلى جانب إعداد خارطة طريق للأنشطة المشتركة للسنة التالية توّجت بإمضاء محضر جلسة في الغرض، وقد أكد وزير الدفاع عماد مميش أن انعقاد هذه اللجنة بصفة دورية دليل على الإرادة التي تحدو الجانبين للمزيد من دعم الجهود المشتركة للارتقاء بمستوى التعاون التونسي – الإيطالي.

من جهته عبر وزير الدفاع الإيطالي عن ارتياحه لنجاح أشغال الاجتماع، بما من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة لمواصلة التعاون بين البلدين، ليشمل خاصة مجالات التكوين والصحة العسكرية وتبادل الخبرات.

وأكد غويدو كروساتو أن “التعاون بين إيطاليا وتونس اللتين تجمعهما علاقة صداقة متينة أولوية، وأنه جزء من العمل الذي تنفذه إيطاليا في إطار خطة ‘ماتي’ لبناء تعاون على قدم المساواة والاحترام مع دول القارة الأفريقية”، مضيفا أن “العلاقة مع تونس ترتكز على تطوير المصالح المشتركة والتي ستقودنا نتائجها إلى تعزيز التآزر في قطاع الدفاع وستقدم مساهمة مهمة في أمن واستقرار البحر المتوسط، وهو أمر أساسي لأوروبا بأكملها”.

وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأنه “من الواضح أن الأمر يتعلق بملف الهجرة غير النظامية والأمن والإرهاب، خصوصا في علاقة بما يحدث في دول الساحل والصحراء، وهناك اتجاه معاد للغرب والاتحاد الأوروبي، كما توجد مساحة مفتوحة بين بوركينا فاسو ونيجيريا والنيجر لتمدد نشاط الجماعات الإرهابية”.

وأضاف لـ”العرب” أن “الحكومة الإيطالية تعتبر تونس بوابة لأمنها والنافذة التي يمكن أن يأتي منها الخطر، والضغط الأوروبي والإيطالي تجسد من خلال تكرر الزيارات في وقت تواجه فيه تونس أزمات مالية واقتصادية، وتونس تواجه أيضا نفس المخاطر، والعملية مرتبطة بشبكات منظمة للهجرة”.

وتابع المنذر ثابت “يبدو أن الاتحاد الأوروبي يريد جعْل تونس منصة لإيواء المهاجرين، ومن الضروري أن يكون هناك خطاب مصارحة، مع رفض الجانب التونسي لهذا المعطى، لأن الضغط الأوروبي ليس بمعزل عن إقراض تونس مبلغ 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي”.

واستنادا إلى الإحصاءات الإيطالية الرسمية، شهد عدد الواصلين من تونس ارتفاعا بين منتصف مارس ومنتصف أبريل مع وصول 5587 مهاجرا، بعد تناقصه منذ الخريف حتى بداية العام الجاري.

وتعد تونس، إلى جانب ليبيا، نقطة الانطلاق الرئيسية للآلاف من المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر المتوسط نحو سواحل إيطاليا. وأكد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة أن “هناك نوعا من الاستباق الإيطالي، لأن الأحوال الجوية ستتحسن في الفترة القادمة، وهذا ما سيزيد من عمليات الهجرة، كما توجد رغبة في استثمار ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين (تونس وإيطاليا)، حتى لا تدخل أطراف أخرى على الخط، ورأينا مؤخرا التواصل الفرنسي – التونسي  بين الرئيسين قيس سعيد وإيمانويل ماكرون”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “إيطاليا تتحرك ضمن المربع الأوروبي ووفق خياراته، وهناك موقف فيه اتفاق مالي، لكن معالجة الظاهرة يجب أن تكون شاملة، وليست أمنية فقط، وتونس مطالبة بتفعيلها والتعامل بندية مع الطرف الأوروبي وألا تخضع للضغوط الخارجية”. واستطرد مراد علالة قائلا “التفكير في بناء مراكز إيواء، لا يجب أن يكون على حساب تونس”.

وأوردت وكالة “نوفا” الإيطالية أن إيطاليا تتعاون مع تونس في مكافحة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر، فضلا عن أن دعم روما لتونس يشمل أيضا التدريب وتبادل المهارات والمساعدة الفنية وتوريد المعدات.

وأضافت أن زيارة وزير الدفاع تأتي في أعقاب الزيارة التي كانت قد أدتها رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني إلى تونس في 17 أبريل الجاري برفقة وزير الداخلية ووزيرة الجامعات والبحوث ونائب وزير الخارجية، زيارة تمّ خلالها التوقيع على اتفاق بين حكومة الجمهورية التونسية وحكومة الجمهورية الإيطالية لدعم الميزانية العامة للدولة التونسية، واتفاقية مالية بين البنك المركزي التونسي ومؤسسة الودائع والقروض الإيطالية بخصوص دعم وتمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ومذكرة تفاهم بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتونس ووزارة الجامعات والبحوث الإيطالية للتعاون في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي.