خيرالله خيرالله

‏‌‎ايران والخوف من عمل عسكري

تعتبر العلاقة الاميركية الايرانية منذ ايام الشاه علاقة مرتبطة بمصالح استراتيجية غير معلنة تضيق وتتوسع حسب الحاجة لكل طرفّ من الطرفين. كانت واشنطن، ولعقود طويلة، تستخدم ايران لترهيب الدول العربية ودول منطقة الخليج تحديدا وابتزازها بغية دفعها لشراء الاسلحة وانشاء القواعد العسكرية وتأمين نوع من الحماية الاميركية لمنابع النفط والتحكم بالسعر العالمي للذهب الأسود بحجم الإنتاج. 

اما العلاقة بين السعودية وإيران فهي علاقة تنافسية تاريخية مرتبطة بالأيديولوجيا الدينية في ظلّ صراع على النفوذ الاقليمي. أخذ هذا التنافس بعدا جديدا مع انتصار "الثورة الإسلاميّة" في ايران في العام 1979 ورفعها شعار "تصدير الثورة" مع تركيز خاص على إثارة الغرائز المذهبيّة.

هل تساهم النقاط التي يفترض أن تكون أساسا لإعادة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران في إيجاد صيغة تعايش بين البلدين؟

كان لافتا توقيع البيان الثلاثي السعودي – الصيني – الإيراني في بيجينغ في وقت بدأ النظام في ايران يشعر بمخاطر حقيقية تتهدده. هذه المخاطر داخلية ناجمة عن ثورة شعبية على نار هادئة. بدأت الثورة في 16 أيلول – سبتمبر الماضي اثر مقتل الفتاة مهسا اميني على يد شرطة الأخلاق في طهران. في أساس الثورة الشعبية، التي تقودها المرأة، الفشل الإقتصادي الذي يعاني منه النظام. وهو فشل ذو طابع حضاري أيضا.

توجد ايضا المخاطر الخارجية على النظام، خصوصا في ضوء اقتراب "الجمهوريّة الإسلامية" من امتلاك سلاح نووي من جهة وتحولها طرفا مباشرا في الحرب التي تستهدف أوكرانيا، أي أوروبا، من جهة أخرى.

سعوديا، كان لافتا ومفاجئا اتخاذ المملكة في بداية الحرب الأوكرانيّة موقفا يميل إلى تفهّم ما اقدم عليه فلاديمير بوتين. حصل تعديل في الموقف السعودي لاحقا مع الزيارة التي قام بها وزير الخارجيّة الأمير فيصل الفرحان لكييف والمساعدات التي حملها لأوكرانيا. في مرحلة معيّنة، استضافت المملكة العربية السعودية أول قمة عربية - صينية وكان ذلك تحولا لافتا في السياسة السعودية بشكل عام أدى الى قرع اجراس الإنذار في واشنطن. انعقدت القمّة في خضم تعالي وتيرة التصريحات الاميركية المحذرة من التمدد الصيني والتخوف من اجتياح تايوان. ثمة مؤشر آخر أزعج واشنطن تمثّل في اعلان السعودية انها تدرس تنويع سلة عملات بيع النفط لتشمل اليوان الصيني.  

استغلت ايران في الماضي الهامش المسموح به اميركيا، عندما تمددت، عبر ميليشياتها في اتجاه اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة. ظهرت أخيرا لدى طهران شهية مفتوحة لابتلاع ما تستطيع ابتلاعه إقليميا. هددت الأردن انطلاقا من الجنوب السوري وبلغت بها الوقاحة تهديد المغرب عبر طائرات مسيّرة أرسلتها إلى الجزائر واداتها المسماة "بوليساريو".

تجاوزت ايران دورها المرسوم عندما جاهرت بقدراتها النووية وبدأت تتحدى الغرب عبر تصنيع القنبلة النووية "الشيعية". سمح الغرب، على رأسه الولايات المتحدة، لطهران بالتهديد لكنّه لم يمسح لها بالتنفيذ.

بلغت واشنطن ساعة الحقيقة. باتت تجد نفسها في مواجهة موقف خطير بعدما بدأت تفقد حلفاءها التقليديين في الخليج لمصلحة عدوها الاستراتيجي الصيني. سيترتب عليها إتخاذ قرارات صعبة قد تكون مصحوبة بخطوات سياسية وعسكرية. في الواقع، تدفع أميركا حاليا ثمن إستخفافها بالتهديدات الإيرانيّة التي تتعرض لها دول الخليج. قد يكون اللجوء إلى عمل عسكري ما الطريق الذي يضمن لأميركا استعادة هيبتها في الخليج من جهة والعودة إلى استخدام ايران بعبعا لدول المنطقة من جهة أخرى. هل يكون ذلك عبر اطلاق يد إسرائيل فتوجه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الايرانية وتدميرها؟

لا تستطيع إسرائيل القيام بمثل هذه الضربة من دون أن تكون اميركا في الخلف كي تؤمن لها المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجيستي وما هو اكثر من ذلك بكثير.

كان يمكن أن يبدو هذا السيناريو من نسج الخيال لولا ان واشنطن ماضية فعلا في الخيار العسكري، وفي التلويح الجدي به، بالإتفاق مع اسرائيل. ما لا بدّ من ملاحظته في هذا المجال تصريح سفير اسرائيل في واشنطن مايكل هرتسوغ بأن "اسرائيل وأميركا لم تكونا في يوم من الأيّام في حال توافق في شأن ايران، مثلما هي الحال اليوم". 

إضافة إلى ذلك، هناك حاليا مناورات أميركية – إسرائيلية تدور في صحراء نيفادا. تجري هذه المناورات في ظروف شبيهة بطبيعة ايران والخليج. قبل شهرين، كانت هناك مناورات بين الجانبين في إسرائيل نفسها في ظلّ زيارات متبادلة وعلى اعلى المستويات للمسؤولين العسكريين الأميركيين والإسرائيليين. اكثر من ذلك، زار الأراضي السورية حديثا للمرّة الأولى الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأميركية. تفقد ميلي القواعد العسكرية الاميركية هناك. حصل ذلك في قت سقط في الكونغرس مشروع قرار يقترح سحب القوات الاميركية من سوريا.

لا شكّ أن ايران تعي خطورة الوضع، وتعي خصوصا أن الوضع الداخلي المتأزم في إسرائيل يمكن أن يدفع حكومة بنيامين نتانياهو إلى مغامرة. لذلك سمحت للجان التفتيش التابعة لوكالة الطاقة النووية بزيارة منشآتها وزيادة الرقابة عليها. إلى ذلك، سربت طهران انباء عن إرسالها، عبر وسيط أوروبي قد يكون سويسريا، رسائل الى الدولة العبريّة تتحدث عن امتلاك "الجمهوريّة الإسلاميّة" لإحداثيات المنشآت الاساسية الحيوية والاستراتيجية ولبنك اهداف في داخل إسرائيل. هدّدت إيران بقصف هذه الأهداف في حال تعرّض المنشآت النووية فيها لأيّ هجوم.

راهنت ايران طويلا على الموقف الأوروبي المعتدل تجاه برنامجها النووي. لكن هناك حاليا تشنجا أوروبيا بسبب تزويد "الحرس الثوري" الجيش الروسي طائرات مسيرة (درونز) في أوكرانيا.

في ظلّ هذه الأجواء يحضر سؤال مهمّ: لماذا الحاجة إلى شهرين لإستئناف العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران؟

الأكيد أنّ المملكة تريد اختبار النيات الإيرانية من جهة وربّما تريد من جهة أخرى اختبار الولايات المتحدة وإدارة بايدن بالذات في كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالتعاطي مع ايران ومشروعها التوسعي. الواضح أن المطلوب اكثر من أي وقت معرفة هل تستطيع الصين توفير الضمانات المطلوبة التي تجعل من ايران دولة طبيعية لا اكثر.

مقالات الكاتب