أ.د.ميثاق باعبّاد الشعيبي

التظاهر والاحتجاج حق كفله الدستور وحق من حقوق الإنسان، لبناء ﳎﺘﻤﻊ أﻛﺜﺮ عدلاً وإﻧﺼﺎفاً وأمناً وازدهاراً

وكالة أنباء حضرموت

المظاهرات رسالة قوية إلى المجلس القيادة الرئاسي اليمني وحكومته، والاحتجاجات لم تنتهِ بعد، وأن تستمر أمام مَجْمَع  قصر المعاشيق الرئاسي ومقر الحكومة بالعاصمة عدن، وان لاتهدأ قبل ان تحقق أهدافها، بحيث أن لآ ترقَّى المظاهرات إلى مستوى نشاط حملة العصيان المدني، والتصرف المقرون بالتخريب الهمجي والتدمير للممتلكات العامة أو الخاصة ..

يتزامن اندلاع هذه الاحتجاجات بعد مرور أشهرٍ عدة من تشكيل مايسمى المجلس القيادي الجديد وحكومة الفساد اليمنية برئاسة رأس لوبي الفساد معين عبدالملك، اتسمة ثمة تلكؤ في التعامل مع ملفات مهمة ورثتها من الحكومات السابقة، وكان من المتوقع أن تعالجها، وخصوصا مكافحة الفساد، وهذا أبقى الحال كما هو عليه، إن لم يزده سوءاً، خلال الأشهر الماضية من عمر الحكومة ربما باستثناء مايعاني المواطن الجنوبي في العاصمة عدن من وطأة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة مع عدم وجود اي تحسُّن ولو نسبياً في إمدادات الطاقة الكهربائية، وبات الانقطاع المتكرر والطويل للتيار الكهربائي عن مدينة عدن، كابوساً يؤرق أهالي المدينة، خاصة مع قدوم فصل الصيف، كما ان ارتفاع عدد ساعات انقطاع الكهرباء سيؤجج الغضب الشعبي في العاصمة عدن مع ارتفاع درجات الحرارة والتي تصل إلى أكثر من 45 درجة مئوية ..

المظاهرات التي تشهدها العاصمة عدن  تأتي في سياقاتها الخاصة وحق كفله الدستور وحق من حقوق الإنسان ولكن العامل المشترك بين جميع الاحتجاجات هو انعدام المساواة ووجود حالة من عدم الرضا عمّن هم في مركز القيادة  بهرم السلطة، مع تجذر الفساد والمحسوبية وتدهور الخدمات العامة وسوء إدارتها والذي فاقم من غضب الشارع الجنوبي، والصرخة التي نسمعها من الجميع هي أن رفاهية الشعوب ليست على جدول أعمال الدولة، وكلها مبررات واهية وكاذبة، ولا تنطلي على أحد ..

إن من واجبات مايسمى المجلس القيادي والحكومة اليمنية الإصغاء إلى  مواطنيها، لأن أي حكومة تقوم على التجاهل أو التخويف والقوة لن تصمد، فأساس الحكومات الشرعية قائم على احترام حقوق الإنسان، وهي الحاجة إلى إيجاد آلية للخروج من وضع الاحتجاج ولتحقيق ذلك ينبغي معالجة دوافع الاحتجاج بسلام واحترام عبر الحوار الشامل والحر ..

ولكن على الرغم من هذه المعرفة المعمّقة لحكومة الفساد بشأن قيمة حقوق الإنسان في بناء اقتصاد ومجتمع أكثر صلابة وقدرة على المواجهة والصمود، وتراعي انعدام المساواة وترسم طريقا لتجاوزها، تتجاهلها، وكل خطوة في الاتجاه المعاكس تجبر المجتمع الجنوبي على الانزلاق إلى المزيد من المعاناة والألم والصراع والظلم والاستبداد والبؤس ..

تتبني الكثير من الدول خلال الأعوام الماضية سياسات تؤثر على حق المواطنين في التجمع والمطالبة بالعدالة، ومن أولويات الحكومة اليمنية في سياق المظاهرات، للتركيز في الصميم العمل ووضع استراتيجية والحد من عدم المساواة بمعالجة الأسباب الجذرية للمظالم الأساسية، وﺑﻨﺎء ﳎﺘﻤﻊ أﻛﺜﺮ عدلاً وإﻧﺼﺎفاً وأمناً وازدهاراً، وبناء اقتصاد ومجتمع أكثر صلابة وقدرة واستدامة تنموية للجميع ..

ومن الواضح أن متظاهري اليوم في العاصمة عدن يحتجون على فشل ظاهر وملموس في الاقتصاد والسياسة، "وأعتقد أنهم يضعون الحلول أمامكم هذه الحلول تبني مجتمعات واثقة وأكثر مرونة وازدهاراً، لأنها أكثر شمولية واستقراراً، ولأنها مجتمعات تحترم الغير، هي متجانسة وأكثر إنصافا، ولا يمكن المطالبة بالحقوق دون القدرة على التحدث والمشاركة والاحتجاج، فهي في جوهرها تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، يشعر الناس أنهم يعانون من الظلم الاقتصادي لأن صوتهم يتم رفضه وعدم احترامه - أو في بعض الحالات يعاقبون عليه وينكرون بسببه ..

فقد ظل المواطن الجنوبي يعيش حياته اليومية وسط استشراء الفساد الإداري والاقتصادي، حَسْبَما رصدته منظمات دولية التي صنفت الجنوب باعتباره أحد أبرز دول العالم التي ينخرها الفساد  ..

وشباب الجنوب اليوم والأجيال المقبلة سيرثون عالما أكثر وحشية وقسوة إذا استمر الظلم والاستبداد وسلب حقوقهم بهذه الطريقة، فشعور الكثيرين بأن النخبة تنظر إليهم بعين الاحتقار وبأنهم فقدوا مكانتهم الاجتماعية ..

واليوم مواطن العاصمة  نفذ صبرة وضَاقَ صَدْرُهُ، ولذلك نؤيد المظاهرات التي قادها الشباب الجنوب في العاصمة عدن، والتي غاب عنها  كيان الانتقالي الجامع لإرادة شعب الجنوب أو اي تمثيل للمكونات والأحزاب السياسية، ضد مايسمى المجلس القيادي وحكومة الفساد اليمني، الذين لحقوا ضرراً بشعاً وظلماً شديداً بشعبٍ بأكمله، ومن حق شعب الجنوب أن ينتفض للمطالبة بحقوقه المشروعة، وإحتجاجا على القرار الجديد لحكومة الفساد برفع أسعار المشتقات النفطية وتردي الخدمات العامة، لأن الشباب يشعرون بأنهم سُلبوا من الأمل والحريات الأساسية" بسبب رداءة الحكم واستثنائهم من الحياة السياسية والاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية، وقد تميزت هذه الاحتجاجات بالإرادة القوية وإصرار المحتجين على المطالب المشروعة ..

وكان الجنوبيون وخصوصا فئة الشباب وخريجي الثانويه العامه والمعاهد والجامعات يتطلعون إلى تحقيق تقدم في مساعي معالجة تحديات كبرى مثل: تردي الوضع الاقتصادي، وانحدار مستوى الخدمات، وتفاقم البطالة، وتعثر جهود إعادة الإعمار، واستمرار صيغ المحاصصة بأشكالها، وارتفاع وتيرة التدخلات الخارجية ..

أن الحقوق الأساسية التي يجب أن تتمتع بها جميع الشعوب والتي تُعدّ دافعا للخروج إلى الشارع هي الحق في المساواة أمام قانون يحمي الجميع، الحق في الحياة والحرية والأمن الشخصي، والتعليم والرعاية الصحية والغذاء والمأوى والضمان الاجتماعي، الحق في التحرر من أي شكل من أشكال التمييز، الحق في حرية التعبير والخصوصية، وحرية الفكر والوجدان والدين، الحق في المحاكمة العادلة، الحق في الانعتاق من التعذيب ومن الاعتقال أو الاحتجاز غير القانوني أو التعسفي ..

أن الدور المهم يأتي من قبل كوادر الجنوب، وهم  فعلاً مستقبل الجنوب القادم في المؤسسات الأكاديمية الجنوبية، مثل الجامعات والمدارس، لأن هذه المؤسسات "موجودة لتوجيه الأسئلة ونقل المعرفة وخلق مجتمعات أكثر تقدما على جميع الأصعدة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وهم يمثّلون مستقبلًا يتميّز بالعدالة المشتركة وتوزيع الثروات الوطنية توزيعًا منصفًا، وسط علاقات متناغمة بين الشعوب والمجتمعات ...

خالص تحياتي واحترامي وتقديري

بقلم أ.د.ميثاق باعبّاد الشعيبي،،
كاتب جنوبي بارز ومفكر سياسي اكاديمي

مقالات الكاتب