الوقاية من الإضرار بالنساء

لم يقدم شيئاً يحمي المرأة الإيرانية.. مشروع قانون (الوقاية من الإضرار بالنساء) لا يعترف رسميا بالعنف!

صادق مجلس النظام الإيراني على ما يسمى بـ مشروع قانون حظر العنف ضد النساء في 9 نيسان/ أبريل 2023 بعد 12 عاماً من التغافل عنه وانتقاله من يد لأخرى بين الحكومة والسلطة القضائية ومجلس النظام، وما تمت المصادقة عليه يحمل عنوان (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن في مواجهة سوء السلوك) ! والحقيقة أنه بعد 12 عاماً من الاستماع وهدر الوقت قدم النظام مشروع قانون لا يعترف أساساً بوجود العنف ضد النساء حتى في عنوان نص المشروع، وتم حذف كلمة العنف أساساً من النص الجديد وأُحِل محلها بعبارة (سوء السلوك).

إيران ‘ضرار بالنساء

حفظ الصورة
الهه عظيم فر

صادق مجلس النظام الإيراني على ما يسمى بـ مشروع قانون حظر العنف ضد النساء في 9 نيسان/ أبريل 2023 بعد 12 عاماً من التغافل عنه وانتقاله من يد لأخرى بين الحكومة والسلطة القضائية ومجلس النظام، وما تمت المصادقة عليه يحمل عنوان (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن في مواجهة سوء السلوك) ! والحقيقة أنه بعد 12 عاماً من الاستماع وهدر الوقت قدم النظام مشروع قانون لا يعترف أساساً بوجود العنف ضد النساء حتى في عنوان نص المشروع، وتم حذف كلمة العنف أساساً من النص الجديد وأُحِل محلها بعبارة (سوء السلوك).

وعلى هذا النحو فإن مشروع القانون الذي كان معنوناً بـ (حماية وصيانة كرامة النساء مواجهةً للعنف) وكان قد كُتِبَ من قبل الحكومة قد أُدمِج مع خطة أخرى صيغت من قبل مجلس النظام باسم (صيانة الكرامة، وحفظ أمن السيدات في مواجهة العنف) ليخرج بنص مكون من تعبيرات غير تنفيذية ومفبركة من قبل الملالي. 

لماذا تمت المصادقة على مشروع القانون بالنهاية؟ 

طُرِدت حكومة الملالي من لجنة الأمم المتحدة المعنية بالمرأة بعد مقتل جينا (مهسا) أميني بحجة (الحجاب) وفضح وجه النظام الإجرامي عالميا في أحداث القمع الدموي لانتفاضة 2022، وارتكب هذا النظام بعد ذلك مرة أخرى وفي سيناريو مماثل جريمة قتل آرميتا كراوند وأثبت للعالم استحالة إصلاحه خاصة في مجال القمع وكراهية النساء.

بالإضافة إلى جرائم القتل والوحشية الحكومية المباشرة تتحدث إحصاءات النظام الرسمية أيضاً عن تزايد مرعب للعنف ضد النساء في إيران، حيث أن 77.2% من النساء قد مورس عليهن أحد أشكال العنف على الأقل خلال فترة الحجر الصحي. (صحيفة شرق الحكومية – 24 نيسان/ أبريل 2023)

ونفس تلك الإحصائيات قد قُدِمت من قبل نظام حكومي غير شفاف في إيران، تتضمن في الواقع ثلاثة أرباع النساء الإيرانيات، وهي أكثر من ضعف متوسط المعدل العالمي للعنف ضد النساء، وبهكذا سجلٍ حافل فإن لفتة المصادقة على مشروع قانون لا تتوافق أساساً مع بنية وطبيعة هذا النظام الكاره للنساء، وهي ليست سوى وضع قناع وجه مبتسم على وجه ذئبٍ لخداع المجتمع الدولي والرأي العام.

وستتم الموافقة على مثل هكذا مشروع قانون في المجلس، حيث يقول نائب رئيس لجنته القضائية حسن نوروزي :" ان هذا القانون ينص على أنه إذا جرح رجلٌ زوجته مرتين فيمكن للمرأة أن تطلب الطلاق ، وهذا مخالفٌ للمادة 38 من القانون المدني؛ في أي إسلام قال فقهاء السنة والشيعة ذلك وحتى في اليهودية والمسيحية بأنه يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق بحالةٍ محددةٍ من العنف؟!”

عدم ذكر كلمة العنف ولو مرة واحدة في مشروع القانون هذا!

لم يتم استخدام كلمة العنف ولو مرة واحدة في نص مشروع القانون هذا، وهذه النصوص المعلقة هي من أجل تعزيز العزل الجنسي، ويصلح معظمها لزوايا المنزل.

لن يؤدي مشروع قانون (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن مواجهةً لسوء السلوك) إلى إنهاء قضية العنف القائم على النوع الاجتماعي في إيران، وبدلاً من استخدام كلمة العنف يتم استخدام كلمة سوء السلوك، وليس من الواضح بالضبط ما هو التعريف المُقدم لكلمة سوء السلوك!

وعلى الرغم من أن العنف النفسي واللفظي والضرب والتنكيل الشائع لم يتم تناوله في هذا القانون على الإطلاق، إلا أن مصطلح (سوء السلوك) الذي لا يشير في هذا القانون فقط إلى الأذى الجسدي المباشر لا يتضمن أيضاً الملاحقة القضائية ولم تتم ملاحقته والنظر فيه بشكل عادلٍ أبداً في محاكم محاكم النظام.

وكما قالت فاتيما باباخاني وهي محامية وناشطة في مجال المرأة بخصوص انتشار العنف ضد النساء :" إن مأسسة العنف ضد النساء، وإهمال تجريم السلوك العدواني الاجتماعي، وعدم الكفاءة القضائية، وعدم تحقيق العدالة ومحاكمات عادلة ستؤدي في النهاية إلى عدم تجريم الأشخاص العنيفين ". (صحيفة شرق الحكومية – 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2021). 

استمرارية مخاطر العنف المنزلي

ومن المنظور القانوني فإن مشروع قانون (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن مواجهةً لـ سوء السلوك) ليس له أي تأثير على وضع النساء وأمنهن ذلك لأن هدفه بالأساس هو حماية حقوق الأسرة والذكور؛ علما أنه هنا لا يحمي الأسرة بل يُهلكها.

وتقول فاطمة قاسم بور رئيسة كتلة المرأة والأسرة في المجلس في هذا الصدد :" منهجنا ليس العقاب فقط، وبهذا الأسلوب نسعى أيضاً إلى تمتين أساس الأسرة وحل مشكلة المرأة ".

وبما أنه قد أُدرِج في المادة 43 من مشروع قانون (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن مواجهةً لـ سوء السلوك) بأن بعض الجرائم المحددة في مشروع القانون يمكن العفو عنها تحت ظروفٍ خاصة مثل أن يكون المرتكب من أقارب المرأة حتى الدرجة الثانية، كذلك تم التأكيد في المادة 44 من مشروع قانون  (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن مواجهةً لـ سوء السلوك) على أنه إذا كان المتهم أحد أفراد أسرة المرأة وفي حال وافقت المرأة تُرسل القضية بدايةً إلى مجلس حل النزاعات وفقا للقوانين واللوائح ذات الصلة من أجل السلام والمصالحة. (وكالة أنباء ايسنا الحكومية – 15 شباط/ فبراير 2023)

وباختصار إذا تعرضت إمرأةٌ للعنف من قبل زوجها أو والدها أو أخيها حتى أقاربها من الدرجة الثانية فإن القانون لن يحمي المرأة فحسب، بل سيعيدها لمكان ارتكاب الجريمة “من أجل السلام والمصالحة”.

لكن حتى لو قلنا أن مشروع القانون هو لمواجهة العنف الذي يؤدي إلى الإضرار الجسدي فلا بد من الإنتباه إلى أنه في الواقع دموع تماسيح بعد وفاة الضحية، ونُذِكر أن رومينا أشرفي الفتاة البالغة من العمر 15 عاماً والتي قُتِلت بساطور من قِبل والدها في أيار/ مايو 2020، كانت في حينها وقبل مقتلها قد توسلت بالقاضي في المحكمة أنها إذا عادت إلى المنزل فسيقتلها والدها لكن القاضي الذكر لم يُبدِ أي اهتمام لقولها ولم يبالِ وأرسلها عنوة إلى المذبح، وهذه قصة تمر بها العديد من النساء والفتيات الإيرانيات.

وجاء في الملاحظة الثانية في المادة 13 من مشروع قانون (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن مواجهةً لـ سوء السلوك) أنه عند حدوث خطر جسيم ووشيك يمكن للعاملين في مجال الرعاية الاجتماعية اتخاذ التدابير اللازمة، ولكن في مشروع القانون هذا لم يتم تحديد ما هو المقصود بالخطر الشديد والوشيك وتحت أية ظروف سيتم اتخاذ التدابير اللازمة؟ هذا في حين أن المنازل الآمنة من أجل النساء هي بالأساس محدودة جداً في إيران ولا علم لدى العديد من النساء بوجود هكذا أماكن. 

استمرارية جرائم قتل الشرف مع انتشارها في جميع محافظات إيران

جرائم الشرف في إيران من الكوارث التي استدعت إعداد قانون لحماية أمن المرأة، والعنف الذي لا يُعاقب فيه القاتل عادة بما يتناسب مع ما ارتكبه من جرم وعدم تنفيذ العدالة، وخصوصاً إذا كان القاتل هو الأب الذي يُعتبر وفقاً لقانون عقوبات النظام ولياً للدم وفي الواقع هو ولي الحق في معيشة وحياة البنت.

  وجدير بالإهتمام والذِكر أيضاً أن النساء الإيرانيات بشكل عام ليس لديهن استقلال مالي، أما والدة الضحية أو غيرها من النساء في الأسرة حتى لو تمكن من الوصول إلى محامٍ شريف تجرأ على السباحة عكس تيار المياه الحكومية ووفرن نفقاته؛ ففي معظم الحالات يفضلن التزام الصمت خوفاً من الكراهية والانتقام وتكرار العنف.

وجاء في المادة 29 من الفصل الرابع من مشروع القانون الجديد على أن كل من ارتكب جريمة قتلٍ عمد إن لم يكن لقصاص وكان القتل مع سبق الإصرار والترصد عوقِب بالسجن من الدرجة الثالثة، وفي غير هذه الحالة بالسجن من الدرجة الرابعة، ومدة السجن من الدرجة الثالثة من 10 إلى 15 سنة والسجن من الدرجة الرابعة من 5 إلى 10 سنوات، في حين أنه وفقا لقانون عقوبات النظام فإن عقوبة القتل هي الإعدام.

ومن أمثلة السنوات الأخيرة يمكن الإشارة إلى والد رومينا أشرفي أو زوج مونا حيدري اللذين سُجن كل منهما لبضع سنوات فقط ويمكنهما شراء هذه الأحكام ببساطة والخروج من السجن.

مونا حيدري 17 سنة وأم لطفل قُتلت على يد زوجها، وقد تجول زوجها في شوارع الأهواز برأسها المقطوع في يد والسكين الذي قطع رأسها به في اليد الأخرى. 

من المسؤول عن الزواج القسري للفتيات؟

يعد الزواج القسري أحد أبرز أدلة العنف ضد الفتيات الصغيرات اللواتي (بعمر الأطفال)، لكن مشروع القانون هذا لم يعطِ تعريفاً صحيحاً للزواج القسري، في المادة 34 من مشروع القانون هذا تناولوا مسألة الزواج القسري وذكروا أنه إذا قام ولي أمر الفتاة بإجبارها على الزواج فإنه سيواجه السجن والغرامة المالية النقدية.

ومن الطبيعي أن مشروع قانون (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن مواجهةً لـ سوء السلوك) لا يقدم توضحياً لما سيحدث من مصير لهكذا زواج، وهل سيتم فسخ عقد الزواج وإعلان عدم شرعيته أم لا؟ وكذلك إذا أُجبرت الفتاة على الزواج في عمر 13-14 سنة هل يمكنها تقديم شكوى بالمحكمة ضد ولي أمرها؟ وجدير بالذكر أن معظم حالات الزواج القسري وزواج الأطفال تتم دون تسجيل قانوني.

كذلك يُطرح هذا السؤال وهو كيف يمكن لفتاة صغيرة بالسن في النظام الذكوري أن تخالف رأي والدها وأخيها وباقي رجال أسرتها في الزواج الذي حددوه لها؟ خاصة وأن اغتصاب الأطفال تحت عنوان الزوجة مدعومٌ رسمياً بقوانين الملالي، وتُجيز المادة 104 من القانون المدني زواج الفتاة تحت سن 13 سنة شمسية بإذن المحكمة وإذن ولي الأمر ومراعاة المصلحة، وقد ترك نفس هذا القانون زواج الفتيات تحت سن 13 عاما لتقدير الأب أو القاضي، وبالنتيجة فإنه عندما يُقر القانون المدني في البلاد رسمياً بالعنف ضد الفتيات والنساء فإن وجود مثل هكذا عبارات في مشروع القانون لا يخلق أي فجوة قانونية.

حيلة سياسية

إن نظام الملالي الكاره للنساء ليس لديه في حقيقة الأمر أي نية لمنع العنف ضد النساء، إن عملية تصاعد عدد جرائم قتل النساء في إيران نفسها دليل على عدم صلاحية مشروع القانون هذا، ويتفاقم العنف ضد النساء في إيران.

لا يرى مشروع قانون (الوقاية من الإضرار بالنساء وتحسين أمنهن مواجهةً لـ سوء السلوك) أن وجود المرأة مستقل عن مؤسسة الأسرة، وفي الواقع ووفقاً لوجهة نظر الملالي المعادين للنساء فإن أمن المرأة يعني أمن الأسرة، ولا أمن للمرأة بعيداً عن هذا الإطار.

يتطلب الوقاية من العنف كقضية اجتماعية خطوات أولية مثل الاعتراف الرسمي بحقوق النساء كبشر متساوين مع الرجال، وتغيير القوانين التي تضمنت تسلط الرجل على المرأة، ويجلس المشرعون المعادون للنساء ليتركوا النساء عُرضة للعنف بجلودهن ولحومهن وعظامهن، ثم إذا بدت أصواتهن بمكان تُخمد أصواتهن بعقوبة أقل بمراتب من قوانين العقوبات المعتادة.

لكن النظام غافل عن حقيقة أن النساء الشجاعات في إيران قد تجاوزن نظامه القانوني والقضائي المعادي للنساء، وأنهن قد عقدن العزم على الحصول على حقوقهن بالقيام بإسقاط هذا النظام، ولهذا السبب هناك مشاهد لثورة واحتجاج النساء في كل انتفاضة ميدانية.