غموض موقف إيران من طريق التنمية يربك أذرعها في العراق

وكالة أنباء حضرموت

قطعت كتائب حزب الله العراق صمت الميليشيات الشيعية العراقية المقرّبة من إيران عن توقيع العراق مؤخرا لمذكّرة تفاهم مع كل من تركيا والإمارات وقطر بشأن مشروع طريق التنمية الذي يربط بين مياه الخليج والأراضي التركية بخط سكة حديد وطريق سيارة من عدّة مسارات تعبر الأراضي العراقية من أقصى جنوبها إلى شمالها.

وأظهرت الميليشيا التي اعتادت، على غرار مثيلاتها المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، التعليق على سائر الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية في العراق، موقفا سلبيا من المشروع الذي تعتبره الغالبية العظمى من القوى والشخصيات العراقية مشروعا شديد الأهمية للبلد لجهة تنويع مصادر دخله وتوفير مواطن الشغل لشبابه، بينما تعتبره حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الإنجاز الأهم الذي سيحسب في رصيدها باعتباره أكبر مشروع تنموي يُقدم عليه العراق منذ سنة 2003 واستئنافا حقيقيا لمسار التنمية شبه المتوقّف في البلاد منذ ذلك التاريخ.

وقال أبوعلي العسكري المسؤول الأمني لكتائب حزب الله إنّ “مشروع ما يسمى طريق التنمية مازال يشكل مصدر قلق لنا”.

وأضاف في بيان نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي “يجب توفير الدلالات القاطعة والضمانات الإستراتيجية والمزيد من التطمينات قبل الشروع في تنفيذ المشروع”.

وبدا هذا الموقف غامضا لجهة حديثة عن “قلق” بصيغة التعميم ودون تفصيل لماهيته وطبيعته إن كانت أمنية أو اقتصادية أو غيرها.

كما شمل الغموض أيضا طبيعة الدلالات والضمانات والتطمينات التي تطالب بها الكتائب، والصفة التي تمتلكها الميليشيا وتخوّل لها مطالبة الجهات الرسمية بها.

ووصف متابعون للشأن العراقي موقف الميليشيا من المشروع التنموي الحيوي بأنّه رفض لمجرّد الرفض وأقرب إلى التعبير عن حكم مسبق على المشروع بغض النظر عن أي تقييم موضوعي له أو بحث جادّ في منافعه ومضارّه إن وجدت.

وقال هؤلاء إنّ ما أورده العسكري قد يكون تعبيرا عن موقف جهة أكبر من الميليشيا التي يتحدّث باسمها، متوقّعين أن يكون تعليقه على طريق التنموية بمثابة خلاصة لموقف إيران المشغّل الأصلي لكتائب حزب الله عن طريق فيلق القدس التابع لحرسها الثوري، وهو موقف لا يُتوقّع إلا أن يكون سلبيا على اعتبار مشروع الطريق يمثّل مدخل قوى إقليمية على رأسها تركيا لمنافسة طهران على النفوذ في الساحة العراقية.

وعلى الرغم من اهتزاز موقف ميليشيا الكتائب من طريق التنمية، إلاّ أنّه يمثّل مؤشّرا سلبيا بالنظر إلى التهديد الأمني الذي ينطوي عليه وقد يصل حدّ عرقلة إنجازه، بالنظر إلى السوابق الكثيرة للميليشيات في استخدام سلاحها في خدمة أهداف لا تتوافق مع مصلحة الدولة العراقية وتتصل بالمحور الإيراني الذي تنتمي إليه تلك الفصائل.

وما تزال مواقف القوى العراقية الموالية لإيران من مشروع طريق التنمية نادرة إلى حدّ الآن بسبب كون أهم تلك القوى مشتركة في تشكيل حكومة السوداني ومهتمة بإنجاحها، وتجد مصلحة كبرى في ما يمكن أن تنجزه من مشاريع تعرف تلك القوى جيدا كيفية الوصول إلى العوائد التي ستدرّها والحصول على نصيب منها.

لكنّ كلام العسكري جاء مشابها لموقف سابق صدر عن نائب عن كتلة صادقون النيابية الممثلة لميليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي.

وكان النائب حسن سالم قد سبق الجميع بالهجوم على مشروع طريق التنمية منذ أول إعلان عنه تحت مسمّى أوّلي هو “القناة الجافّة”، قائلا في تعليق عبر منصّة إكس إنّ المشروع يمثل “وصمة عار في تاريخ ساسة العراق”، وإنّه “فاتورة أخرى يدفعها الشعب العراقي بسبب الطبقة السياسية التي تشبعت بفايروس الفساد الذي جعلهم لا يميّزون بين الضار والنافع”.

وأضاف في تعليقه “التاريخ لن يرحمهم والأجيال ستحاسبهم عن سرقة حقوق الشعب ومستقبله”.

ثم عاد النائب ليكشف عن خلفية موقفه بالغ السلبية من المشروع والمتمثّلة في الدفاع عن مشروع آخر مُواز يتمثّل في طريق الحرير الصيني، قائلا في بيان إنّ “مشروع القناة الجافة يعتبر قتلا وتدميرا للتنمية في العراق من خلال منع التحاقه بمبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير التي ينكرها بعض المسؤولين والمستشارين في الحكومة ووزارة النقل مدعين بأنه لا وجود لاتفاقية صينية وأن العراق خارج طريق الحرير”.

ورغم الموقف المبالغ في حماسته من قبل النائب، إلاّ أنّ الأخير بدا أنّه قد تسرّع ولم ينسّق موقفه مع قيادة الميليشيا التي يمثّلها تحت قبّة البرلمان، حيث لم يُعرف عن قيس الخزعلي زعيم العصائب أنّه
معارض لمشروع طريق التنمية رغم قربه الشديد من إيران، بل على العكس من ذلك قد يكون مساندا له من منطلق أنّه من أكبر حلفاء السوداني رئيس الحكومة وباعتباره قياديا في الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل الرئيسي للحكومة.

وخلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى بغداد تم توقيع مذكر تفاهم رباعية بين العراق وتركيا والإمارات وقطر للتعاون في مشروع طريق التنمية.

وقال رئيس الوزراء العراقي في بيان صدر عن مكتبه إنّ “مشروع طريق التنمية الإستراتيجي سيسهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز علاقات التعاون الإقليمي والدولي من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والسعي نحو اقتصاد مستدام بين الشرق والغرب، كما سيعمل على زيادة التجارة الدولية وتسهيل التنقل وتوفير طريق نقل تنافسي جديد، وتعزيز الرخاء الاقتصادي الإقليمي”.

وتعليقا على موقف كتائب حزب الله من مشروع طريق التنمية، قال نائب بالبرلمان العراقي إنّ ضبابية الموقف وارتباكه قد يكونان مظهرا على عدم  بلورة المحور الإيراني لموقف نهائي واضح من المشروع.

ولم يستبعد النائب الذي طلب عدم ذكر اسمه أن تكون طهران بصدد دراسة المشروع من مختلف جوانبه والبحث في إمكانية الانضمام إليه بشكل مباشر أو النظر في كيفية الاستفادة منه بطريقة غير مباشرة، خصوصا وأنّ منطلقه من جنوب العراق شديد القرب من مجالها الجغرافي.

واستند في رأيه إلى صمت العديد من القوى الشيعية المعروفة بقربها من إيران إلى حدّ الآن عن المشروع موضّحا أنّ تلك القوى لو كانت قد حصلت على موقف إيراني واضح منه لكانت قد شرعت في الترويج له والدفاع عنه.

لكن النائب ذاته لم ينف امتعاض التسارع الكبير في تطور العلاقات بين العراق وتركيا ما يعني لطهران دخول أنقرة كمنافس جدّي لها على النفوذ في العراق.

وقال إنّ ذلك الامتعاض الإيراني كان أوضح في مواقف الأحزاب والميليشيات الشيعية من التعاون بين تركيا والعراق في مجال الأمن وتحديدا في الحرب ضدّ حزب العمال الكردستاني الذي يتمركز مقاتلوه في عدد من مناطق الشمال العراقي.

وكانت تلك الأحزاب والميليشيات قد عبّرت عن تحفظاتها على مضيّ السلطات العراقية بعيدا في تطوير التعاون مع تركيا والوصول به حدّ المشاركة الفعلية في الحرب التي تخوضها القوات التركية ضدّ مقاتلي الحزب.

وتجلىّ ذلك عمليا في قيام تلك القوى بعرقلة توقيع اتّفاق أمني بين بغداد وأنقرة شبيه بالاتفاق الذي تمّ توقيعه في وقت سابق بين العراق وإيران بشأن وجود المسلّحين الأكراد المعارضين للنظام الإيراني داخل الأراضي العراقية.

الميليشيا أظهرت موقفا سلبيا من المشروع الذي تعتبره الغالبية العظمى من القوى والشخصيات العراقية مشروعا شديد الأهمية للبلد

ولمشروع طريق التنمية في المنظور التركي ارتباط منطقي كبير بإنهاء نشاط مقاتلي حزب العمّال الكردستاني في شمال العراق، نظرا إلى ما قد يثيره هؤلاء المقاتلون من عدم استقرار في المناطق التي يمر بها جزء من المشروع ما قد يعرقل إنجازه، وقد يشكل تهديدا أمنيا له عند اكتماله.

ورأى الخبير والمحلل السياسي العراقي كفاح محمود أنّ التعاون بين الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني يُفشل أيّ اتفاق بين العراق وتركيا. واعتبر في حديث لوكالة سبوتنيك الروسية  أنّ “هناك أشياء تعيق القيام بأي عمل عسكري تركي – عراقي مشترك من بينها الدعم اللوجستي الكبير الذي يقدمه الحشد والفصائل الولائية لحزب العمال تحت مسميات وعناوين مكشوفة”.

وأشار محمود إلى أن “الاقتصاد التركي القلق هو في أمسّ الحاجة إلى ترميم العلاقات مع كردستان والعراق عامة ولذلك أرى أن الأتراك سيذهبون إلى القبول بأنصاف الحلول دون حلها جذريا، خاصة ما يتعلق بالملف الأمني الذي يواجه صعوبات بالغة في ما يتعلق بالعمليات العسكرية في منطقة بالغة التعقيد في تضاريسها”.