من يملك البيانات يسيّر العالم

المراقبة ومتابعة البيانات.. هكذا تتفوق الصين في التكنولوجيا

واشنطن

تتعالى الأصوات الغربية المحذرة من تداعيات التقدم التكنولوجي الذي تحققه الصين، سواء على الصعيد العسكري أو في مجال الاتصالات، والمطالبة بالتصدي لخطط الصين كي تصبح دولة رائدة على مستوى العالم في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025 لتتحدى الهيمنة الأميركية على القطاع.

وفي العام الماضي كان البلد الآسيوي العملاق يضم 214 جهازا من أصل أقوى 500 كمبيوتر خارق في العالم، في مقابل 113 جهازا بالولايات المتحدة و91 في الاتحاد الأوروبي، في وقت تحذر فيه تقارير خبراء من أن الصين أصبحت رائدة في مجال المراقبة ومعالجة بيانات الأشخاص.

وعززت هذه التحذيرات مخاوف العديد من الدول الغربية التي سارعت إلى فرض قيود أو حظر على استخدام معدات شبكات الجيل الخامس للاتصالات التي تنتجها شركة هواوي الصينية في مشروعات البنية التحتية للاتصالات بتلك الدول.

تخشى الدول الغربية من استغلال الصين لهذه المعدات التكنولوجية في التجسس عليها. وفي المقابل تسعى الصين لاستعراض قدراتها في مجال التكنولوجيا وبخاصة الذكاء الاصطناعي حيث بثت قناة سي.جي.تي.إن التلفزيونية الحكومية الصينية فيلما وثائقيا قصيرا عبر الإنترنت، يعرض كيفية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في التعرف على المطلوبين لأجهزة الأمن، أو المخالفين للقواعد في شوارع مدينة شينشن، والقبض عليهم فورا.

ويرى الكاتب تيم كولبان المتخصص في شؤون التكنولوجيا أن هذا الفيلم لا يكشف عن قدرات تقنية كبيرة تتيح للصين فرض هيمنتها في الخارج، بقدر ما يظهر قدرتها على السيطرة على مواطنيها في الداخل.

 ويمكن القول إن الصين والولايات المتحدة تتحركان كتفا بكتف في مجال الذكاء الاصطناعي من حيث النشر العلمي. فالصين تتفوق على الولايات المتحدة من حيث حجم الاقتباسات من أبحاثها في المجلات العلمية، بفضل

غزارة النشر الصيني في هذه المجالات، في حين تتفوق الولايات المتحدة بشدة من حيث نوعية الأبحاث المقدمة إلى المؤتمرات العلمية، بحسب تقرير أخير صادر عن جامعة ستانفورد الأميركية.

ويقول كولبان في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه رغم أن الصين صاحبة أكبر عدد من السكان في العالم، قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي، يجب ألا يراهن المستثمرون والمراقبون للصين كثيرا على فكرة أن وضعها لا يمكن التفوق عليه أو أن الولايات المتحدة أضعف منها.

وفي الوقت نفسه فإن مبالغة كل من الصين والولايات المتحدة في تقدير نقاط قوة الطرف الآخر يمكن أن تؤدي إلى نوع من سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي على غرار الحرب الباردة في القرن الماضي.

ويقول نيكولاس شايلان، الذي استقال مؤخرا من عمله كرئيس لإدارة برامج الكمبيوتر في القوات الجوية الأميركية بعد ثلاث سنوات من العمل فيها، إن الصين تتقدم نحو مكانة مسيطرة في العالم بفضل تقدمها في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والأمن السيبراني.

ولكن كولبان يرى أن خبرات الصين في مجال الذكاء الاصطناعي تتركز في نطاق محدود، مقارنة بالقطاعات الفرعية العديدة لهذا المجال؛ مثل التعلم الآلي، والإنسان الآلي، ومعالجة اللغة الطبيعية، والرؤية الحوسبية. ففي

حين تمتلك الولايات المتحدة قدرات كبيرة في مختلف تلك المجالات الفرعية بفضل الشركات الكبرى العاملة في هذا المجال مثل غوغل، وأمازون دوت كوم، وفيسبوك، ومايكروسوفت، فإن أغلب خبرات الصين وتقدمها تنحصر في أنظمة المراقبة ومعالجة بيانات المواطنين.

حسب التقييمات الفنية التي أجراها المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا الأميركي في اللوغاريتمات أو الخوارزميات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي تتفوق بشدة عندما يتعلق الأمر بتحليل بيانات المراقبة مثل التصوير الجنائي التعريفي، وصور مراقبة الحدود وصور تأشيرات الدخول.

كما أن أكثر من نصف الأوراق العلمية الصينية المنشورة في مجال الذكاء الاصطناعي في العام الماضي تركز على الأنظمة التي تستخدم في المراقبة غالبا، بحسب بيانات جمعتها خدمة مايكروسوفت أكاديميك جراف وحللتها مؤسسة سيكث تون الصينية، في حين يظل عدد الأوراق الصينية في مجالات التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية والإنسان الآلي أقل كثيرا من الأوراق التي نشرتها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والهند.

وفي الوقت نفسه، فإن أغلب إيرادات شركات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الصينية ترتبط بالحكومات وبرغبتها في مراقبة الشعوب. فنحو نصف إيرادات شركة سينس تايم التي تعتزم طرح أسهمها في بورصة هونغ كونغ، جاءت من مشروع “سمارت سيتي” الحكومي لتعميم أنظمة المراقبة الذكية في الصين. كما أن حوالي 64 في المئة من إيرادات شركة ميجفي تكنولوجي تأتي من عقودها لتوريد تكنولوجيا المراقبة للحكومات المحلية الصينية.

في المقابل، فإن تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة أكثر تنوعا. وتمتلك الولايات المتحدة الريادة في مجالات التعلم الآلي وهو الأكثر أهمية. كما أن أغلب التقنيات المستخدمة على نطاق واسع في العالم طورتها شركات أميركية؛ مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون.

ويقول كولبان إنه إذا أرادت الصين احتلال مكانة لا ينازعها عليها أحد في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فعليها أن تقلل اهتمامها بتقنيات مراقبة الأشخاص، وزيادة الاهتمام بالتقنيات التي يمكنها أن تحل محل العنصر البشري في العمل بما يضمن زيادة في الكفاءة والفاعلية.

لكن الصين قد تكون لها وجهة نظر أخرى في هذا الشأن، فالتفوق في مجال المراقبة ومتابعة البيانات بدءا من الفهرسة إلى الفهم والتحليل، سيوفر لها فرصا جديدة ومثيرة لإدارة كميات كبيرة من المعلومات، وبالتالي التحكم أكثر في مسار التكنولوجيا والتنافس في هذا المجال بينها وبين الولايات المتحدة وبينها وبين الدول الغربية عامة.

وكان تقرير التقييم لعام 2020 – 2021 لتطوير الصين قوة الحوسبة للذكاء الاصطناعي، الذي أصدرته بشكل مشترك شركة البيانات الدولية وهي شركة لأبحاث السوق العالمية، ومجموعة إنسبر لتوريد الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة، أوضح أن الصين ستصبح محفزا رئيسيا لنمو الذكاء الاصطناعي العالمي وستساهم بنسبة 15.6 في المئة من حجم السوق بحلول 2024.