في الذكرى الثانية عشرة لاستشهاده.. محسن علي طوءرة بطل حالمين وشهيدها البار

وكالة أنباء حضرموت

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام  على سيد المرسلين أما بعد:
في هذه الوقفة، لدينا شخصية مهمة من شخصيات حالمين ،وعلم بارز من أعلامها ،وشهيد بار من شهدائها ــ رحمه الله تعالى ــ ، هو الشهيد محسن علي مثنى طوءرة، الغني عن التعريف ، هذا الابن البار لحالمين، والجنوب كلها ،هو من مواليد 1968م في قرية الكُرب في غرب حالمين، وفي السنوات الأولى من حياته انتقلت الأسرة من قرية الكرب إلى قرية النوبة قريبا من حبيل الريدة  ،وكان أبوه علي مثنى طوءرة يعمل في التجارة ، لديه حانوت متواضع في حبيل الريدة عاصمة حالمين ،وهذا كان  في السبعينيات.  

درس محسن  - وهو من جيلنا - في مدرسة الضباب ،وحينما حان موعد انتقاله إلى ثانوية لبوزة في الحبيلين ألتحق بالقوات المسلحة الجنوبية نظرا لظروف أسرته القاهرة ، خاصة بعد أن استشهد أخوه علي بن علي مثنى في أحداث 13 يناير 1986م  المؤسفة ، وكان على هذا الشاب إلى جانب أبيه أن يربوا أولاد الشهيد الأربعة ،ويدرسونهم ،وقد تحقق ذلك إلى أن أكمل هؤلاء الصبية الدراسة الجامعية، ومنهم الدكتور: ماجد علي بن علي.
مرت الأيام وهو جندي في الجيش متميزا عن أقرانه ولكن ما حدث في 1994م من اجتياح واحتلال للجنوب جعله يأنف الاستمرار في جيش الاحتلال ، فترك الوطن ، وهاجر إلى المملكة العربية السعودية، وهناك عمل سنوات، وكسب  وتميز ، بسبب ذكائه ومعرفته، فقد برع حيث كان ،فنفع كثيرًا من أبناء حالمين، وأدخلهم إلى المملكة العربية السعودية ، وتابع لهم عن  فيز ،وعقود عمل ،وساعدهم في مبالغ  تكاليفها ، ويعود الفضل له في دخول عدد من  الشباب إلى المملكة العربية السعودية ؛ليعيلوا أسرهم .

والحقيقة أن الاتجاه إلى الغربة كان سائدًا بعد 1994م عندما ضاقت  السبل بالجنوبيين ،وطردوا من الجيش ،ومن الشرطة ، ومن كلياتهما ، وضاقت بهم سبل العيش ، وعندما طرد الكثيرون من الموظفين  الجنوبين من القطاع العام، ومن مؤسسات الدولة ، فكانت الغربة وسيلة ناجعة لابد منها.

والحق أن حركة الاغتراب هذه قد نعشت أحوال أسر  هؤلاء المغتربين وهي كثيرة  وكانت من ضمن العوامل التي ساعدت على قيام الثورة التحررية الجنوبية، وعندما بدأت انطلقت الثورة الجنوبية التحررية في 2007م ، كان الشهيد محسن علي طوءرة من أوائل الذين ألتحقوا بها، فقد كان يختزن ثورة  في نفسه  ضد هذا المحتل الغاشم ،وبعد هذا عاد إلى الوطن ،وترك الغربة ،وقد فرغ نفسه للنضال ضمن صفوف الحراك السلمي الجنوبي ،دعمًا وقيادًة  ومشاركة، ولم يكتف بذلك ، ولكن كان من أوائل الذين دعوا إلى العمل الفدائي  العسكري ضد الاحتلال مع أن الظروف لم تكن تسمح حينها ،وكان هذا خيار يساعد الحراك السلمي الجنوبي ،ويتم التأهيل له والتهيؤ  له شيئًا فشيئًا ،وهذا الخيار  الميداني لم يكن مستبعدًا فقد كان الجنوبيون محتاجين له بين حين وآخر في هذا  المكان أو ذاك على حسب الظروف ؛لأن الجانب الميداني مهم في أي ثورة سواء للدفاع أو الهجوم ،فكان من رفاقه  الذين عملوا  معه كثيرون منهم   المناضل محمد يحيى سعيد الدباني والشهيد  عبدالله أحمد منجم الباقري، وغيرهما.
كان محسن طوءرة  قائدًا محنكًا وصلبًا، وقد شارك قائدا  في تلك الأحداث التي نشبت ضد قوات الاحتلال والغزو الشمالي ،سواء في يافع في جبل العر أو في القطاع الغربي في ردفان أو الشرقي ،وكذلك في جبل الأحمرين في حالمين ، وغيرها من المواقع ،تلك المواجهات التي  كانت تحدث بسبب استفزازات جنود الغزو الشمالي الذين كانوا يتمركزون في هذه المناطق ،ولم يكن بعيدًا عما حدث  ويحدث في الضالع التي كانت تموج  بهذه القوات التي كانت تتمركز في جميع جبالها ،وسهولها .

لقد ضحى  بعمله في الغربة فكان له أن يعيش هناك مثل أي مغترب ،ويكسب ويقضي حياته الخاصة ،ولكنه انف ذلك ،وليس الجميع يعملون هذا العمل ،ولكن هذا الرجل لديه روح التضحية من أجل الوطن ،ولا يريد جزاءً ولا شكورًا، وهكذا الشعوب ، وهكذا الأوطان يبرز من أبنائها من يحملون راية التحرير، ويبحتون عن كرامة شعوبهم واستقلالها ورفعتها ،وليس الجميع من الناس يستطيعون عمل مثل هذه الأعمال ، مع أنَّ الناس كلهم  يحملون روح الوطنية ،و لا ينكر أحد من  وطنيته ،ولكن مدى التضحية، ومدى الاستبسال ،ومدى النضال ،هذه تختلف من إنسان إلى آخر ،ولهذا وجدناه من رواد السجن ،ومن مرتاديه ،من مرتادي السجون منذ السنوات الأولى منذ 2008م.،اعتقل في عدن مرة، واعتقل في الحبيلين، وسيق إلى لحج وحوكم، ومرض مرات في السجن ،وذهب به إلى المستشفى وعادوا به إلى السجن، يعني عانى ما عانى من ويلات.

كان شديد البأس، عظيم الإرادة، بما يؤمن به بخصوص قضية الجنوب العادلة فضلا  عن ذلك كان اسمه ضمن القائمة السوداء لدى قوات الأمن السياسي الشمالي، لكن في الحقيقة كان اسمه في القائمة البيضاء بالنسبة لشعب الجنوب ، ثم تحول اسمه إلى قائمة الشهداء الأبرار ــرحمهم الله جميعًا ــ استشهد في عام 2011م في 10يونيو 2011م ،كما سنذكر لاحقا من تفاصيل ذلك الاستشهاد ، ولكن قبل ذلك تعرض لعدد من محاولات الاغتيال ،ومنها  حين وضعوا له عبوة ناسفة في سيارته ، عبر بعض المأجورين،  انفجرت السيارة ولم يكن  فيها الشهيد ،وهكذا ظلوا يتربصون به ؛لأنَّه كان يجمع بين العمل السياسي (العمل الثوري)،والعمل الفدائي العسكري والدعم المادي واللوجستي للثورة .

كانت قوات الاحتلال الشمالي موجودة بكثرة في جبل العر في يافع ،وموجود في الحبيلين في القطاعين الشرقي والغربي، وموجودة في حالمين  بما يسمى بالقطاع ، وفي مرة من المرات حاولت القوات الشمالية أن يصعدوا جبل لحمرين جنوب حبيل الريدة ،حتى يستحدثوا هناك معسكرًا، ولكن محاولاتهم هذه  باءت بالفشل بفعل  كفاح شهيدنا هذا وعدد من أبناء حالمين وردفان عموماً. لقد ظلت المعسكرات التي في الحبيلين تؤرق المناضلين وكثيرًا ما تحدثنا عنها وعلى ضرورة إخراجها ؛لأننا وإن كان النضال سلميًا لكن لا نستطيع أن نمنع أبناء الجنوب من التصدي لهذا الغزو أو لهذه المعسكرات ، ولكن الرأي لم يجتمع كله  حول إخراج هذه المعسكرات حينها ، فهناك من يرى تأجيل ذلك ،وهناك من يرى ضرورة إخراجهم ، كن محسنًا ورفاقه قادوا عملية في يونيو 2011م كانت عملية قوية على النقطة التي تقع رأس الحبيلين التي تتبع على القطاع الغربي فهم من يموننها من معسكراتهم التي استحدثوها  في القطاع الغربي من المنطقة، وتلك المعسكرات كبيرة وواسعة ، وخنادق في الجبل كثيرة ومحصنة، وما النقطة إلا رمزية لها ولهيمنتها ،ولكن هؤلاء الشباب استطاعوا أن يقتحموا النقطة بعد معركة شرسة ، جعلت جنود النقطة ينسحبون إلى معسكراتهم ، ولكنهم ضلوا متربصين ،وعززوا قوتهم ،وفي اليوم الثاني ،صباح 10يونيو 2011م زحفوا إلى رأس الحبيلين ،وهاجموا النقطة ،في معركة غير متكافئة ،ولكن جنودنا وشبابنا ردَّوا على ذلك الهجوم ،وقاتلوا حتى قتل بعضهم  وجرح بعضهم ، وكان إلى جانب شهيدنا شهيد آخر هو الشهيد محسن الصهيبي  رحمهما الله تعالى.

لقد أحسن المحسنان هذان في النضال والكفاح والتضحية من يافع إلى الضالع إلى حالمين إلى الحبيلين.
وفضلًا عما ذكرناه من نضال هذا الشهيد دفاعًا وهجومًا ،فقد كان يمد ويساعد الجرحى في علاجهم في ظروف صعبة حين لم تكن لنا دولة ولا مؤسسات مختصة ، ولم يكن لدينا اعتراف، وكان وزملاؤه من المغتربين يتكفلون بهذا الامر .

لقد قام هذا الشهيد  قابكل الأدوار ،دفع من جيبه، ودفع من وقته، وبالأخير دفع حياته ،وكان  يدعم أسر الشهداء ،الذي صار هو في الأخير أحد احدهم  ؛لذلك تعددت أدواره وتوجت بعد ذلك بالشهادة.
ماذا نضيف ماذا نقول عن مسيرة هذا الشهيد؟ إنها مسيرة قصيرة ،لكنها مكثفة ومركزة، ساعاتها، وأيامها، وشهورها، وسنواتها مليئة بالمواقف المختلفة ،ولم يعمل على جبهة واحدة منذ 2007م إلى 2011م،الوقت في ميزان الزمن ليس طويلًا وليست المسألة بالزمن ،ولكن الوقت دائما يقاس بالإنجازات التي تتحقق خلال هذا الزمن ،كأنما كان يعرف شهيدنا أن سنوات حياته في النضال ستكون قليلة فملاها جميعها بالمنجزات وبالأعمال النضالية بمايساوي سنين طويلة من عمر الآخرين.