عالم الأزياء الأفريقية للأفريقيات

وكالة أنباء حضرموت

تدخل صناعة الأزياء الراقية في أفريقيا حقبة جديدة يقودها مصممو الأزياء الأفارقة الشباب. ويصور المبدعون الصاعدون إلى المسرح العالمي عظمة القارة بتقنيات النسيج وأنماطه الفريدة التي تجمع بين تراثهم الأفريقي الغني والأساليب المعاصرة.

وتمتلك أفريقيا ما يلزم لتصبح واحدة من قادة الموضة من خلال الجيل القادم. وحددت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أن القارة تعدّ منتجة رئيسية للمواد الخام. وتنتج 37 دولة أفريقية من أصل 54 القطن، وتصدر القارة منسوجات بقيمة 15.5 مليار دولار سنويا، وتستوردها بقيمة 23.1 مليار دولار سنويا مع الملابس والأحذية.

وقالت شيلا شيكو، وهي مصممة أزياء مقيمة في نيروبي، “أشتري من كينيا لبناء كينيا. لا نعاني من أي نقص في التصاميم الرائعة عالية الجودة. أنجزنا عملا جيدا للغاية في صناعة بطانيات قطنية سميكة. ونأخذ إلى العالم قطعة من الملابس التي يرتديها الماساي، وهم من مجموعاتنا العرقية المعروفة بوفائها لثقافتها”.

القارة تصدرمنسوجات بقيمة 15.5 مليار دولار سنويا، وتستوردها بقيمة 23.1 مليار دولار سنويا مع الملابس والأحذية

وأطلقت الحكومة إستراتيجية “الشراء من كينيا لبناء كينيا” قبل ست سنوات لتوسيع إمكانات السوق المحلية. وتنضم إلى نيروبي لاغوس والدار البيضاء وأبيدجان، وهي من أبرز المدن في أفريقيا في عالم الأزياء والتصميم والتمويل والتجارة.

وكشف تقرير اليونسكو الأول من نوعه حول صناعة الأزياء الأفريقية العام الماضي عن الاتجاهات والنجاحات والتحديات التي يواجهها القطاع الواعد. وفصّل كيفية كون قطاع الأزياء في القارة محركا قويا لحركة “صنع في أفريقيا”، ووضعه القارة على خارطة الموضة العالمية.

وأصبحت الموضة الأفريقية مزدهرة. وتحفز أسابيع الموضة الأسواق والمبدعين في 32 مدينة في جميع أنحاء القارة، من الدار البيضاء إلى نيروبي، مرورا بلاغوس وداكار. وساهم النمو في التجارة الإلكترونية، التي جذبت 28 في المئة من الأفارقة سنة 2021 مقارنة بـ13 في المئة خلال 2017، في زيادة المستهلكين المحليين، وهو ما أكده تقرير اليونسكو الذي يحمل عنوان “قطاع الأزياء في أفريقيا: الاتجاهات والتحديات وفرص النمو”.

وأبرز التقرير كيف خلق قطاع الأزياء فرصا جديدة للتنمية الدولية للعلامات التجارية الأفريقية، التي بلغت صادراتها السنوية من المنسوجات والملابس والأحذية 15.5 مليار دولار. وأصبحت الموضة في القارة محركا قويا للإبداع والتنمية الاقتصادية والابتكار، حيث تخلق العديد من فرص العمل، خاصة للنساء والشباب.

وتحرص اليونسكو من جهتها على ضمان تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير بهدف دعم قطاع الأزياء في أفريقيا وتعزيزه وتسريع نموه. وقدمت في تقريرها الأول صناعة الأزياء على المستوى القاري، وحددت خلاله آفاقها.

وتكتسب مبادرة “صنع في أفريقيا” زخما، وخاصة بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما، مثل شيكو. وتمثل هذه الفئة العمرية 50 في المئة من إجمالي سكان القارة. كما تتطلع إلى المبادرة الطبقة المتوسطة المزدهرة التي تشكل أكثر من 35 في المئة من السكان بالفعل. ويفتح هذا أسواقا استهلاكية جديدة.

وصرّحت شيكو “يقولون إننا لسنا أفارقة لأننا ولدنا في أفريقيا ولكن لأن أفريقيا ولدت فينا. يتواصل الشباب من خلال اختيارهم للملابس والموسيقى. لكن التحدي الوحيد الذي نواجهه يكمن في كون الملابس الراقية العصرية أغلى قليلا من الميتومبا (الملابس المستعملة التي تستوردها كينيا من الولايات المتحدة وأوروبا).

كما تشهد أفريقيا نموا سريعا في القطاع الرقمي، مما سهل التجارة البينية الأفريقية وظهور المواهب الشابة. وأبرزت أسابيع الموضة الـ32 التي تقام سنويا أن القارة تتمتع بالمواهب في مجالات الأزياء الراقية والحرف اليدوية والملابس. ومن المتوقع أن يشهد الطلب على الأزياء الراقية الأفريقية زيادة بنسبة 42 في المئة على مدى العقد القادم.

ويؤكد تقرير اليونسكو على الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي يخلقها القطاع، الذي تشكّل الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم 90 في المئة منه وتحقق أرباحها فائدة مباشرة على السكان. ويمكن أن يكون قطاع الأزياء نقطة انطلاق قوية للمساواة بين الجنسين، حيث لا تشكل النساء اليوم سوى 17 في المئة من مزارعي القطن البالغ عددهم 3.5 مليون في البلدان الأفريقية الأقل نموا.

ونظمت اليونسكو حدثا جمع بين مختلف المصممين والشركاء الإستراتيجيين في قطاع الأزياء لاستكشاف الفرص الممكنة وفرص التعاون لتطوير الصناعة الحيوية في أفريقيا. وعملت على إيجاد حلول لبعض التحديات الأكثر إلحاحا التي تواجهها صناعة الأزياء.

وتشمل التحديات شح الاستثمار، وتدهور البنية التحتية، وعدم اكتمال تشريعات الملكية الفكرية، وارتفاع تكاليف توريد الأقمشة. كما يجب أن يؤخذ التأثير البيئي في الاعتبار في أفريقيا وغيرها، حيث يعدّ القطاع من أكبر مصادر التلوث في العالم.

ويقول التقرير إن الحكومات وصناع القرار يحتاجون إلى البيانات والمساهمات الموثوقة من الخبراء والمجتمع المدني لبناء نظام بيئي قوي للأزياء. وأكد الحاجة إلى سياسات وممارسات عامة تحمي المبدعين وتدعمهم.

كما سلط الضوء على أهمية تعزيز تطوير الأزياء التي تكون أكثر استدامة وأكثر عدلا، مع احترام المهارات والمعارف المحلية. ويجب أن يعكس هذا القطاع التنوع الثقافي، بما في ذلك تقاليده النسيجية الغنية، حتى يكون محركا للابتكار والإبداع.

وينمو قطاع الموضة والملبوسات في أفريقيا بشكل متسارع، مستفيدا من الزيادة الكبيرة في أعداد الشباب الذين يشكلون نحو 55 في المئة من مجمل سكان القارة السمراء البالغ عددهم نحو 1.2 مليار نسمة.

وفي حين يبدي البعض مخاوفهم من أن يؤدي التحول السريع نحو الموضة إلى اندثار  الملابس التقليدية التي ظلت تميز سكان القارة للآلاف السنين، يقول مصممو أزياء إنهم يعملون على تطوير أنماط جديدة تتماشى مع التحولات التي تشهدها المجتمعات الأفريقية لكنها تحافظ في نفس الوقت على روح الزي التقليدي القديم، كما يشيرون إلى أن تطوير أنماط الزي الأفريقي التقليدي يعزز تنافسية الأزياء الأفريقية في الأسواق العالمية.

ويقدر حجم سوق الملبوسات والأحذية في أفريقيا بنحو 90 مليار دولار سنويا، أي نحو ربع السوق العالمي المقدر بنحو 380 مليار دولار.

أزياء راقية

وتبدو صناعة النسيج الأفريقية متنوعة، لكن العامل الثابت هو سوق القطن، فهناك العديد من البلدان في أفريقيا تقوم حاليا بزراعة القطن وبيعه، ستة منها تزرع القطن تحت علامة قطن من صنع أفريقيا، وهي واحدة من أكبر الشركات المنتجة للوظائف أيضا، حيث يعمل 450 ألف أفريقي في تجارة القطن وحدها. ومع ذلك، فإن زراعة القطن وبيعه ليست صناعة النسيج الوحيدة لديها. كما دخلت جنوب أفريقيا أيضا في مجال المنسوجات التقنية. وبدأت دول مثل إثيوبيا أيضا في الحصول على مصانع النسيج التي توظف السكان المحليين وتساعد الشركات التي تحاول الهروب من ارتفاع الأجور في دول مثل الصين. وقامت شركات مثل “أيتش.أم” بافتتاح مصانع في أفريقيا، نظرا لأن أجورها أقل، ويمكن للسكان دعم العمال المطلوبين. كما يقومون أيضا بإنتاج منتجات مثل الخيوط والغزول للأسواق العالمية من القطن الذي يتم زراعته وحصاده في أفريقيا.

وقريبا تصبح أفريقيا رائدة عالمية في مجال الموضة حيث يشهد قطاع الموضة في أفريقيا نموا كبيرا بفضل نمو الطبقات الوسطى، ووجود هرم سكاني فتي، وتمدد عمراني سريع، وانشار التقنيات الرقمية.

فمدن مثل أبيدجان، والدار البيضاء وداكار، وجوهانسبرغ، ولاغوس، ونيروبي، ليست مراكز مالية وحسب، بل هي أيضا مراكز نشاط في مجال الموضة والتصميم الفني. ومع ذلك، لا تزال بعض الصعوبات قائمة خاصة منها نقص الاستثمار، وضعف البنى التعليمية، والحاجة إلى حماية الملكية الفكرية، والتزود بالمواد الأولية بأسعار معقولة. لكن على الرغم من ذلك، يُظهر تقرير اليونسكو “قطاع الأزياء في أفريقيا: الاتجاهات والتحديات وفرص النمو” أن القارة الأفريقية تتمتع بكل الإمكانيات التي تخول لها احتلال مكانة متقدمة، في المستقبل، في قطاع الموضة العالمي.