الجاذبية الإسلامية لحزب العدالة والتنمية في تركيا تتراجع

وكالة أنباء حضرموت

يرى محللون أن الوضع الاقتصادي المأزوم وارتفاع نسب التضخم والبطالة ليسا وحدهما مسؤولين عن خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا للانتخابات المحلية في 31 مارس، بل إن تراجع الجاذبية الإسلامية للحزب من أبرز الأسباب.

وربما كان متوقعا أن يتراجع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في نتائج الانتخابات المحلية، لكن النتائج أظهرت تراجعًا كبيرًا غير متوقع وخسارة مدوية له، حيث تقدم عليه حزب الشعب الجمهوري العلماني للمرة الثانية، ولم يكتفِ بالاحتفاظ ببلديات بعض المدن الكبرى كإسطنبول وأنقرة، وإنما ضم لها مدنًا ومحافظات إضافية في مشهد فوز كاسح شكّل صدمة للكثيرين.

وفاز حزب الشعب الجمهوري المعارض برئاسة بلدية 36 مدينة ومحافظة منها 15 مدينة كبرى و21 محافظة، مقابل فوز العدالة والتنمية بـ23 منها 11 مدينة كبرى، و12 محافظة، وحزب مساواة وديمقراطية الشعوب (خليفة حزب الشعوب الديمقراطي “الكردي”) بـ10 بلديات منها ثلاث مدن كبرى وسبع محافظات، وحزب الحركة القومية برئاسة بلدية ثماني محافظات، وحزب الرفاه مجددًا ببلديتَين إحداهما مدينة كبرى، والأخرى محافظة، وحزب الجيد ببلدية محافظة واحدة.

وهكذا يكون حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، قد رفع رصيده في بلديات المدن والمحافظات من 20 إلى 36، بينما تراجعت حصة العدالة والتنمية الحاكم من 39 إلى 23، وكذلك حليفه الحركة القومية من 11 إلى 8. وبينما فاز كل من الرفاه مجددًا والجيد برئاسة بلديات لأول مرة، رفع حزب مساواة وديمقراطية الشعوب رصيده من 8 (كان فاز بها الشعوب الديمقراطي) إلى 10 بلديات.

وإضافة إلى ذلك، فقد حصل حزب الشعب الجمهوري على أغلبية المجلس البلدي لكل من بلديتي أنقرة وإسطنبول اللتين كانتا بحوزة تحالف الجمهور الحاكم في الانتخابات السابقة؛ رغم خسارته رئاسة البلديتين للمعارضة.

وفي البلديات الفرعية أو بلديات أحياء المدن الكبرى، رفع الشعب الجمهوري رصيده في أنقرة من 3 إلى 16، مقابل تراجع العدالة والتنمية من 19 إلى 8 من أصل 25 بلدية فرعية. وفي إسطنبول رفع الشعب الجمهوري رصيده من 14 إلى 26 مقابل تراجع العدالة والتنمية من 24 إلى 13 من أصل 39 بلدية فرعية. وبهذا يكون تقدم الشعب الجمهوري واضحًا جليًا، وكذلك تراجع العدالة والتنمية كبيرًا وشاملًا، رغم أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية قبل 10 أشهر فقط حملت نتائج مختلفة عن الحالية.

وأتاحت الانتخابات الأخيرة التي جرت في تركيا لحزب الشعب الجمهوري إظهار نجاحه في مناطق معينة من القاعدة التقليدية المتدينة للرئيس التركي في البلاد، مما أكد على تراجع قوة رسالة أردوغان السياسية.

ويقول مصطفى غول وهو مساعد باحث في برنامج الأبحاث التركية التابع لمعهد واشنطن إن الإسلاموية الإصلاحية التي ادعى الرئيس أردوغان أنه يجسدها، لاقت ذات يوم صدى لدى جماهير كبيرة ودفعته إلى السلطة، مما سمح له بالفوز في معارك سياسية حاسمة ومع ذلك، على مدى العقد الماضي، تبنى الرئيس أردوغان بشكل متزايد وجهة نظر أكثر قومية وواقعية في الداخل والخارج.

ونتيجة لهذا التحول، انتهز حزب الشعب الجمهوري الفرصة وحصل على ما يقرب من 7 في المئة من الأصوات في جميع أنحاء البلاد بنظرة إسلامية صريحة ــ وهي وجهة نظر أكثر تحفظاً بالكثير من المبادئ التأسيسية لحزب العدالة والتنمية.

وكان الكثير من الأصوات المحافظة تذهب لحزب العدالة والتنمية لكن بعضها صوت مؤخرا لصالح حزب الرفاه الجديد الذي شكَّل الحصان الأسود في هذه الانتخابات وحلَّ ثالثا بين الأحزاب الفائزة.

وشهدت الطبقة المتوسطة والدنيا في تركيا، القاعدة الإسلامية العضوية للرئيس أردوغان، تدهور ثروتها النسبية خلال العقد الماضي. وفي الوقت نفسه، دعم المستفيدون الجدد من البرنامج الاقتصادي، أصحاب الدخل المرتفع.

◙ حزب العدالة والتنمية كان متوقعا أن يتراجع في نتائج الانتخابات المحلية لكنه تراجع مدوٍ ولم يكن بهذا التصور

وقد ترك هذا التحول في الدعم القاعدة العضوية للرئيس أردوغان تعاني من أزمة تكلفة المعيشة بينما يجني القادمون الجدد الانتهازيون الفوائد الاقتصادية والسياسية للحكومة التي جلبتها قاعدة أردوغان المتدينة إلى السلطة.

وفي السياق ذاته يضيف مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية، محمد حامد، لما سبق الأسباب الاقتصادية كأحد أبرز محركات التصويت.

ورغم تعهد أردوغان في الانتخابات الرئاسية بأنه سيعمل على حل الأزمة الاقتصادية بالخبرات التركية، وأعاد بالفعل وجوها قديمة، مثل وزير المالية والخزانة محمد شيمشك، لكن لم يحدث التقدم المأمول.

كما راجت أحاديث حول فساد في المحليات وفي مجال المقاولات وبناء المنازل في جنوب البلاد، خاصة بعد وقوع زلزال كهرمان مرعش في تلك المنطقة.

وجرت الانتخابات بعد شهر ونصف من مرور الذكرى السنوية الأولى للزلزال الذي وقع 6 فبراير 2023، وترك مرارة قاسية للأتراك؛ حيث قتل عشرات الآلاف منهم، وتضررت مئات آلاف المنازل، وقدَّر أردوغان الخسائر بشكل عام في تصريح له العام الماضي بحوالي 104 مليارات دولار.

وما زال 700 ألف شخص يعيشون في حاويات؛ انتظارا لتحقيق وعود الحكومة بتسليمهم منازل، فيما أعلنت وزارة البيئة، في فبراير الماضي، أن نصف المباني الموعودة قيد الإنشاء، وسلم أردوغان مفاتيح أول 7 آلاف مسكن لعائلات في هاتاي، قائلا إن الهدف هو تسليم ما بين 15 و20 ألف منزل شهريا، ودعا المواطنين للوثوق به.