وساطة تركية مثيرة للشكوك لجسر الهوة بين الصومال وإثيوبيا

وكالة أنباء حضرموت

شرعت تركيا في محادثات وساطة بين الصومال وإثيوبيا بشأن اتفاق حول ميناء وقّعته أديس أبابا قبل أشهر مع إقليم أرض الصومال. لكن مراقبين يتساءلون عن فرص نجاح هذه الوساطة في وقت لا تخفي فيه أنقرة انحيازها التام لموقف مقديشو من الاتفاق.

ولا يعرف ما إذا كانت تركيا قد قدمت مبادرة واقعية لجسر الهوة بين إثيوبيا والصومال أم أن تدخلها لا يتجاوز حديثا عن ترتيب لقاء من دون انتظار نتائج فعلية منها خاصة في ظل تمسك الطرفين بمواقفهما.

وتتحرك أديس أبابا على أساس أن مقديشو لا شأن لها بالاتفاق وأن أرض الصومال من حقها التوصل إلى تفاهمات مع دول خارجية بحُريّة تامة كونها إقليما قائم الذات. كما أن إثيوبيا ليس من الوارد أن تتنازل عن اتفاق مهم يضمن لها منفذا على البحر الأحمر ويتيح لها بناء قاعدة عسكرية في منطقة إستراتيجية.

من غير المعروف ما إذا كانت تركيا قد قدمت مقاربة واقعية للتقريب بين إثيوبيا والصومال أم مجرد مبادرة فضفاضة

ولا يمتلك الصومال أوراق ضغط تمكنه من عرقلة تنفيذ الاتفاق، كما أن الرهان على الخيار العسكري  ضد أرض الصومال غير وارد بالنسبة إلى مقديشو حتى وإن كانت أنقرة تقف إلى صفها وتتولى تدريب قواتها. وقلل مسؤولون من فرص نجاح الوساطة التركية بسبب الغموض الذي يحف بها.

وقال اثنان من المسؤولين إن هدف المفاوضات ليس واضحا كما أن توقعات التوصل إلى اتفاق منخفضة. وأضاف أحدهم “رغم الشائعات التي تفيد بتخفيف الصومال لموقفه الرافض للانخراط في حوار حتى تسحب إثيوبيا (الاتفاق)، فإن الأمر يبدو مستبعدا”. وأردف قائلا “لا أرى مسارا للأمام، ولا أتوقع أن تخرج المحادثات بنتائج”.

ويرى المراقبون أن تركيا وسيط غير محايد، ما يجعل تدخلها بين الصومال وإثيوبيا أقرب إلى التسويق السياسي.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال خلال اتصاله بالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إن “التوتر المثير للقلق بين الصومال وإثيوبيا ينبغي أن ينتهي على أساس وحدة أراضي الصومال”، وإن “تركيا تدعم الصومال في حربه ضد الإرهاب، وإن التعاون بين البلدين سيستمر تدريجيّا”.

وفي مقابل محدودية التحرك لدى الصومال، فإن إثيوبيا، القوة المؤثرة في شرق أفريقيا، نجحت في بناء علاقات تجارية واقتصادية مهمة تجعل من إيجاد منفذ على البحر الأحمر حاجة إقليمية ودولية، ومن الصعب الضغط عليها من أيّ جهة كانت للتراجع.

وبات لدى الشركاء الاقتصاديين لإثيوبيا، وخاصة من دول الخليج التي باتت تراهن على حضور قوي في القرن الأفريقي، مصلحة في إطلالتها على البحر الاحمر، وليس مستبعدا أن تكون أديس أبابا قد حصلت على دعم خليجي لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي.

ووصفت مقديشو الاتفاق بأنه غير قانوني وردت بطرد السفير الإثيوبي والتهديد بطرد الآلاف من الجنود الإثيوبيين المتمركزين في البلاد للمساعدة في قتال حركة الشباب، وهي خطة أقرب إلى المغامرة خاصة مع تلويح الاتحاد الأفريقي بسحب قواته من الصومال ما يعطي دفعا معنويا للمتشددين.

وأصبحت تركيا حليفا وثيقا للحكومة الصومالية منذ زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مقديشو لأول مرة في 2011، وتقوم بإمدادها بمساعدات تنموية وتساهم في تدريب قوات الأمن.

ووقّع البلدان اتفاقية للدفاع في فبراير ستقدم أنقرة بموجبها الدعم الأمني البحري للصومال لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية.

وتقوم أنقرة ببناء مدارس ومستشفيات ومشروعات للبنية التحتية في الصومال كما تقدم لمواطنيه منحا للدراسة في تركيا، وهو ما يضمن لها موطئ قدم في أفريقيا يطل على طريق شحن عالمي رئيسي.

وتمكنت تركيا من توظيف الوضع الصعب الذي يمر به الصومال منذ سنوات من خلال الإسراع بتقديم الدعم الأمني والعسكري والاقتصادي إلى مقديشو، ما فتح الباب أمامها لوضع اليد على نفط الصومال.

تركيا وسيط غير محايد، ما يجعل تدخلها بين الصومال وإثيوبيا أقرب إلى التسويق السياسي

وخلال التوتر بين مقديشو وأديس أبابا، قالت وزارة الطاقة التركية إن تركيا وقّعت اتفاق تعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي مع الصومال. وأضافت الوزارة أن اتفاق الطاقة يشمل استكشاف وتقييم وتطوير وإنتاج النفط في المناطق البرية والبحرية الصومالية.

وقال وزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار على منصة إكس “نهدف إلى تعزيز الوجود التركي في القرن الأفريقي من خلال تعاون جديد في مجال الطاقة”.

وتوجد في الصومال أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج ومنشأة تدريب. وتعد القاعدة، التي تضم ثلاث مدارس عسكرية إلى جانب منشآت أخرى، أكبر معسكر تركي للتدريب العسكري خارج تركيا.

وتقع القاعدة على ساحل المحيط الهندي، وتعمل بطاقة تدريب تصل إلى 1500 جندي صومالي. وتشارك مُسيّرات بيرقدار التركية في قصف مناطق وسط الصومال وجنوبه إلى جانب الطيران الأميركي في مواجهة حركة الشباب.

وفي ديسمبر الماضي رحبت وزارة الخارجية التركية برفع مجلس الأمن الدولي حظر السلاح عن الصومال المفروض منذ 1992. وأكدت أن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب الصومالي وتدعم الصومال في هذه الفترة.

وفي التاسع من ديسمبر الماضي التقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مقديشو وفدا من الخبراء والضباط العسكريين الأتراك. وناقش اللقاء كيفية تعزيز التعاون التركي – الصومالي، خاصة في مجالات دعم العمليات الصومالية المستمرة ضد حركة الشباب وتدريب الجنود الصوماليين على يد خبراء أتراك.

وتحافظ تركيا منذ حوالي عشر سنوات على العلاقة الوطيدة بينها وبين الصومال باعتباره شريكا اقتصاديا رئيسيّا، خصوصا في مجالات البناء والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.