أفريقيا لا تستفيد من طفرة المعادن رغم اعتماد التكنولوجيا باهظة الثمن عليها

وكالة أنباء حضرموت

لا تقل أهمية تأثير التكنولوجيا عن أصلها إذ يمكن إرجاع أي تقنية معينة، من خلال مكوناتها وموادها الفردية إلى أصولها، ما يجعل السؤال عن مصدر تلك المكونات والمواد مهما.

وتعتمد التكنولوجيا والاقتصادات وسبل العيش والأسلحة الحديثة على المعادن المهمة مثل المغنيسيوم والكوبالت والليثيوم أو حتى النحاس وأغلبيتها موجودة في أفريقيا.

وبما أن أفريقيا موطن لـ30 في المئة من المعادن المهمة المعروفة في العالم، فإن القارة في طليعة المحادثات.

ويرى ألكسندر تريب، وهو المدير المساعد لمركز أفريقيا التابع للمجلس الأطلسي، في تقرير نشره المعهد أن في الوقت الحالي، لا تحصل الدول الأفريقية على نصيبها العادل من فوائد طفرة المعادن المهمة والصخب الناتج عن تطور التقنيات الحديثة.

ويشير تريب إلى أنه لكي يحدث ذلك، ستحتاج أفريقيا إلى المزيد من الاستثمار في قدراتها على تكرير أو إضافة قيمة للمعادن داخل القارة، ومن الممكن أن يغذي مثل هذا الاستثمار دفعة طال انتظارها في مجال التنمية.

ما لم تتمكن الدول الأفريقية من كسر تاريخها المتمثل في العمل فقط كمورد للمعادن، فسوف تتخلف عن الركب

وتعد أفريقيا موطنا للعديد من احتياطيات المعادن المهمة، ولكنها ليست موطنا للصناعة التي تضيف قيمة إلى المعادن.

وفي حين أن أفريقيا لديها بعض القدرة على معالجة وتكرير بعض المعادن، إلا أن خطوات القيمة المضافة الكبيرة في هذا القطاع لا تزال غائبة.

وبناء على ذلك فإن أفريقيا لن تجني فوائد طفرة المعادن المهمة المرتبطة باستخراج المعادن، إذ لا يزال اتخاذ إجراءات ملموسة نحو هدف تطوير سلسلة القيمة والاستثمار الذي طال انتظاره في القارة بعيد المنال.

وكان الاتحاد الأفريقي والعديد من الدول الأفريقية تدرك منذ فترة طويلة حاجة القارة إلى الاستفادة من ثروتها المعدنية، بدلا من توفير المعادن لبقية العالم لكي يقوم الآخرون بمعالجتها ومن ثم جني الفوائد الاقتصادية.

وفي عام 2009، أصدر الاتحاد الأفريقي رؤيته الأفريقية للتعدين، والتي سلطت الضوء على أهمية صناعة القيمة المضافة.

وفي عام 2019، أصدر الاتحاد الأفريقي إستراتيجية السلع الأفريقية، التي تدعو إلى تحويل أفريقيا من قارة لمجرد مورد للمواد الخام إلى قارة مدمجة في سلاسل القيمة العالمية. أنشأ الاتحاد الأفريقي مركزا أفريقيا لتنمية المعادن للتنسيق والإشراف على تنفيذ الرؤية الأفريقية للتعدين. ولكن منذ إنشائه في عام 2016، لم يتم التصديق على المركز من قبل عدد كاف من الدول الأعضاء، مما يعني أنه لم يتم تشغيله بالكامل.

المعادن مهمة
أفريقيا تعد موطنا للعديد من احتياطيات المعادن المهمة، ولكنها ليست موطنا للصناعة التي تضيف قيمة إلى المعادن

بلغت قيمة السوق العالمية لإعادة تدوير بطاريات الليثيوم وحدها 6.5 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 35 مليار دولار بحلول عام 2031.

وعلى جانب الاستثمار العام، نشرت الولايات المتحدة التمويل والحوافز التنظيمية لإعادة تدوير البطاريات.

واعتمد الاتحاد الأوروبي لائحة تحدد النسب المئوية المستهدفة لاستعادة المعادن الحيوية من البطاريات.

ويتضمن جزء من اللائحة إدخال “جواز سفر البطارية” الجديد، وهو سجل رقمي يصاحب كل بطارية ويتضمن معلومات حول تاريخها ومكوناتها لضمان إعادة تدويرها بطريقة مسؤولة.

وإلى جانب الجهود المبذولة لزيادة إعادة تدوير البطاريات، هناك أيضا مبادرات جارية لتطوير بطاريات لا تعتمد على العناصر الأرضية النادرة.

إن الاستثمار الخاص في الأبحاث المتعلقة باستبدال البطاريات والمواد البديلة آخذ في الارتفاع، ومعه ترتفع أيضا احتمالات أن تتجاوز الفوائد الاقتصادية الناجمة عن طفرة المعادن المهمة اليوم أفريقيا. واليوم، يحتاج العالم إلى ما تحتاجه أفريقيا، ولكن قد لا تكون هذه هي الحال غدا.

الاستثمار
إذا كان لأفريقيا أن تستفيد حقا من ازدهار المعادن المهمة وزخمها، فسوف تحتاج إلى الدعم في تطوير قدرتها على إضافة قيمة إلى معادنها

يعتبر مشروع لوبيتو كوريدور حجر الزاوية في الاستثمار العام الأميركي في قطاع التعدين في أفريقيا اليوم، الذي يتطلع إلى مد أكثر من ألف ميل من السكك الحديدية للمساعدة في نقل المعادن الحيوية من زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى ميناء في أنغولا.

ويرى بعض الخبراء أن استثمارات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هي محاولة لمواجهة الصين، وسط مخاوف بشأن موقف بكين المهيمن على سوق المعادن الحيوية في المنطقة الأفريقية.

ومن الناحية المثالية، فإن الاستثمار في قطاع المعادن الحيوي في أفريقيا من شأنه أن يدعم قدرة القارة على إضافة قيمة إلى المعادن قبل الشحن. لكن هناك حاجة إلى بذل جهود أبعد من الاستثمارات الأميركية والأوروبية المحدودة مقارنة بالصين التي تهدف، في نهاية المطاف، إلى المساعدة في نقل المعادن المهمة وتصديرها.

إن العلاقة بين الثروة المعدنية الطبيعية في أفريقيا والأهمية الإستراتيجية للقارة بالنسبة للولايات المتحدة ليست جديدة. لقد سعت الولايات المتحدة للحصول على المعادن الحيوية لأفريقيا، من أجل أهدافها الجيوسياسية.

ومن المعروف أن اليورانيوم المستخدم في القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين كان مصدره منجم شينكولوبوي في الكونغو.

ويعتقد تريب أن المنافسة المحتدمة بشأن استخراج المعادن والأمن القومي وسلاسل التوريد سوف تتجاوز أفريقيا ما لم يتم اغتنام الفرصة.

ويهدف فريق العمل التابع لمركز أفريقيا إلى توحيد أصحاب المصلحة من الولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا، بما في ذلك ممثلون عن القطاع المالي ومؤسسات التنمية والحكومة.

وستجتمع هذه المجموعة معا بانتظام لاستكشاف دور وإمكانات المعادن الأفريقية في سلاسل التوريد الحيوية، وإستراتيجيات زيادة إشراك الدول الأفريقية والموردين، وطرق تعبئة القطاع الخاص.

وسوف يستضيف فريق العمل محادثات عامة حول موضوعات تتراوح بين الحاجة إلى الاستثمار الخاص (وكيفية تسهيله على أفضل وجه) وصناعة السياسات الأفريقية المحلية. ويأمل فريق العمل في المساهمة في بناء نموذج جديد للأعمال والتنمية من خلال شراكات إستراتيجية ومربحة للجانبين.

وإذا كان لأفريقيا أن تستفيد حقا من ازدهار المعادن المهمة وزخمها، فسوف تحتاج إلى الدعم في تطوير قدرتها على إضافة قيمة إلى معادنها.

وما لم تتمكن الدول الأفريقية من كسر تاريخها المتمثل في العمل فقط كمورد للمعادن، فسوف تتخلف عن الركب.