نوع مختلف من النقد لا يهتم بتحليل النصوص

وكالة أنباء حضرموت

في كتابها الجديد “ديكود.. سيناريوهات تخليق النص وفك الشفرات”، تحدثنا الناقدة المصرية أسماء خليل، أن ما يطمح إليه النقد التكويني منذ خمسة عشر عاما، هو تحليل الوثيقة المكتوبة بخط المؤلف بغية فهم آلية إنتاج النص من تحولات الكتابة ذاتها ويوضح مسارات الكاتب والعمليات التي تحكمت في ظهور العمل الأدبي ووضع المفاهيم والمناهج والتقنيات التي تسمح بالاستفادة العلمية من تراث المخطوطات الحديثة الثمين والمحفوظ في أرشيفات الغرب منذ قرابة قرنين.

والنقد التكويني لا يسعى إلى منافسة مناهج تحليل أخرى بل هو يقدم نفسه كحقل جديد للدراسة، ويبحث أيضا في تأويل نتائج حل الرموز حيث يدعو إلى أوسع مشاركة ممكنة مع جميع المناهج الرامية إلى تأويل النص؛ أما عن التكوينية النصية فهي تدرس المخطوطات بصورة مادية وتحل رموزها بشكل مادي وتبين دلالات هذا الطرح المادي المخطوط.

مفاتيح النص

تناولت أسماء خليل في كتابها، الصادر عن دار كيميت للنشر والتوزيع بالقاهرة، سيرة أهم رواد النقد التكويني: رودلر،  وأوديا، ولانسون، وتيوديه، وفيد كارتر، وكيف تبلورت أهمية النقد التكويني ومجالات دراسته في مراحل تكونه التي ثبتها دو-بيازي، والتي تبدأ بمرحلة ما قبل الكتابة، ومرورا بمرحلة الكتابة، وصولا للنص الصالح للطباعة، وتتناول مرحلة الطباعة: حين يوقع المؤلف عبارة “صالح للطباعة”، يترجم هذا التوقيع إلى إنتاج الطبعة الأولى للنص وفقا لما يثبته المؤلف في آخر طبعة تجريبية مصححة.

ثم تروي لنا بعد ذلك عن دور التكوينية النصية ويتجلى في طور إعداد الملف الذي ينقسم إلى: تحديد أنواع الوثائق/ التصنيف التكويني/ فك الرموز والتدوين.

ومن خلال كتابها اتجهت خليل إلى ما انصرف عنه الأساتذة والنقاد، وهو أوعر هذه المختبرات وأشدها استحالة وهو النقد التكويني لأسباب كثيرة ومتعددة أوردتها على صفحات كتابها.

وقالت الناقدة في مقدمة كتابها إن “جزءا كبيرا من المبدعين ألقوا بمفاتيح شفرات نصوصهم في أعماق ما يتصل بمحاولات النقد التكويني، ومن ثم يظل النص طافيا على السطح قريبا على الشط بل بين يدي الناس، وهم يتعاملون معه وفق ما ترى أبصارهم ولم يروا ببصيرتهم كنه هذا النص المراوغ المدهش اللافت حتى يتمكن أحدهم من العثور على مفتاح هذا النص، وسبر أغواره، وفك شفراته، الذي لا يتأتى إلا بإدخال هذا النص الاختزاني العلاني في مقاربة تكوينية”.

وتحدثت المؤلفة عن النقد التكويني وعن المقاربة التكوينية التي اتخذتها مختبرا، وقالت إن النقد التكويني هو درب من دروب النقد الأدبي يهتم بالوثائق التي ساهمت في تكوين النص وبلورته ولا يهتم بالنص المنشور أو المطبوع، ويطلق عليه التكويني أو الجيني أو التوليدي.

ما قبل النص

بحسب مؤلفة الكتاب فإن النقد التكويني يكرس نفسه لدراسة الآثار المادية التي تركها المبدع  وظهر سنة 1975، بعد أن طبعت دار فلاماريون بباريس كتابا تحت عنوان  “أبحاث حول النقد التكويني – نص لوي أراغون نموذجا”.

ظهر النقد التكويني في مرحلة ما بعد الحداثة، لتجديد النقد الأدبي وتحديثه وكان الهدف منه مقاربة النصوص الأدبية في ضوء مخطوطاتها ومصادرها الأولى، وانتقل الاهتمام من النص الداخلي إلى ما قبل النص، ومن السارد إلى المؤلف، ومن البنيات إلى المراحل ومن العمل إلى المصادر.

واهتم النقد التكويني الفرنسي بالكتابات الصادرة في القرنين التاسع عشر الميلادي والعشرين، ولكن لم يهتم بالنصوص الموجودة قبل ذلك التاريخ، وذلك لعدم وجود مخطوطات للعمل.

وحمل الفصل الأول من الكتاب عنوان “النقد التكويني منهج وإعداد مختبر”، وجاء الفصل الثاني بعنوان “النقد التكويني وقراءة النص”.

ومن بين الموضوعات التي يتناولها الكتاب: مفهوم النقد التكويني، وأسباب ظهور النقد التكويني، والنقد التكويني والفكر العربي، والنقد التكويني تأطير وتأصيل، وأهم رواد النقد التكويني، وتاريخ إشكالية المخطوط الحديث، وعلاقة النقد التكويني بمناهج النقد الأخرى، والنقد التكويني وقراءة النص، ومراحل تكون ودراسة العمل الأدبي.

يذكر أن أسماء خليل، شاعرة وناقدة مصرية، درست اللغة العربية وآدابها بجامعة جنوب الوادي في صعيد مصر، ونالت درجة الماجستير في مجال النقد والأدب، وتعد رسالتها لنيل درجة الدكتوراة في النقد الأدبي الحديث من جامعة أسوان.

صدر لها من قبل كتاب “الكرنكي.. أنسة المكان في قصص يحي الطاهر عبدالله”، ولها تحت الطبع “ما بعد الحداثة والقصة القصيرة: دراسة حول القصة القصيرة في الجنوب.. كتاب الأقصر نموذجا”، و”البطل العالم في روايتي واحة الغروب لبهاء طاهر ويزن لابتهال الشايب”.

ولأسماء خليل حضور كبير في الحركة الأدبية المصرية بوجه عام، وفي الجنوب بوجه خاص، وذلك من خلال مشاركاتها كمحاضر مركزي بالهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، وتأسيسها لمنتدى سيانا الثقافي بمدينة إسنا التاريخية جنوبي مصر.